لحوم الأغنام تختفي من محلات الجزارة في الدار البيضاء.. أسعار قياسية وطلب متزايد على العجول

تشهد العاصمة الاقتصادية للمملكة، منذ أول أمس الأحد، وضعًا استثنائيًا في أسواق اللحوم، بعد أن اختفت لحوم الأغنام بشكل شبه كلي من مختلف المجازر ونقط البيع بالتقسيط، ما خلف ارتباكًا ملحوظًا في سلوك المستهلكين ودفع الأسعار نحو مستويات قياسية، في ظرفية اقتصادية دقيقة تتزامن مع قرار غير مسبوق بإلغاء عيد الأضحى لهذه السنة لحماية القطيع الوطني من الاستنزاف.
ووفقا لما عاينته الجريدة 24 ميدانيًا في عدد من المجازر بالدار البيضاء، فإن لحوم الأغنام غابت بشكل شبه تام، في وقت تسجل فيه كميات محدودة في بعض محلات الجزارة، تُباع بأثمنة صادمة بلغت في بعض الحالات 160 درهما للكيلوغرام الواحد، وهو سعر يتجاوز بكثير القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين.
وفي مقابل هذا الغياب، سُجل حضور لافت للحوم العجول التي أضحت الخيار الوحيد أمام المستهلك، رغم أن أسعارها بدورها شهدت قفزات ملموسة، حيث تراوحت ما بين 100 و120 درهمًا للكيلوغرام الواحد، نتيجة الطلب المتزايد بعد قرار إلغاء الأضاحي.
ويؤكد عدد من المهنيين أن أسعار اللحوم بالجملة، خاصة في صنف "البكري"، بلغت ما بين 90 و95 درهمًا للكيلوغرام الواحد، دون احتساب مصاريف النقل والتبريد والتوزيع، ما يجعل السعر النهائي في محلات البيع بالتقسيط يتجاوز 110 درهمًا للكيلوغرام، وهو ما يضع هذه المادة الأساسية خارج متناول كثير من الأسر، خصوصًا الموظفين والمستخدمين من ذوي الدخل المحدود.
ويعزو المهنيون هذا الارتفاع الكبير في الأسعار إلى صعوبات لوجستية وتقنية في ذبح الأغنام خلال الأيام الأخيرة، بسبب الضغوط التي تعرفها المجازر الكبرى في الدار البيضاء، ما أدى فعليًا إلى توقف عمليات الذبح وغياب المعروض من لحوم الأغنام بشكل كلي تقريبًا من السوق المحلية.
وإن كان الهدف من قرار إلغاء عيد الأضحى في الأساس هو التخفيف من الأعباء المالية على الأسر المغربية والحفاظ على الرصيد الوطني من الثروة الحيوانية، إلا أن الواقع الميداني كشف عن توجهات اجتماعية معاكسة؛ فقد سجل إقبال لافت من طرف مواطنين على اقتناء الأضاحي واللحوم بشكل استباقي، تحت مبررات دينية أو بدوافع اجتماعية أو حتى بدافع التخزين، ما أعاد أسعار الأكباش إلى الارتفاع رغم التراجع الذي أعقب الإعلان الرسمي عن قرار الإلغاء.
وتفيد المعطيات المتوفرة من الأوساط المهنية أن أسعار الأكباش عادت للارتفاع في الأسواق الشعبية والمجال القروي، بفعل التوتر الحاصل بين العرض المتراجع وطلب استثنائي. ويأتي ذلك في سياق يعاني فيه القطيع الوطني من تداعيات موسمين فلاحيين متتاليين اتسما بشح كبير في التساقطات، ما أضعف بشكل بنيوي قدرته على التجدد الذاتي وأدخل الفاعلين في القطاع في دوامة من القلق على مستقبل الإنتاج الحيواني المحلي.
في خضم هذا الوضع، تتعالى أصوات مهنية تدق ناقوس الخطر محذرة من أن الضغط المتزايد على القطيع في هذا التوقيت الحرج قد تكون له عواقب وخيمة، ليس فقط على العرض اللحمي في المدى القريب، بل على استدامة سلسلة الإنتاج الحيواني في البلاد، بما يشمله ذلك من مناصب شغل ومداخيل فلاحية.
غير أن جزءًا من المواطنين اختار طريقًا مغايرًا، تمثل في اللجوء إلى اقتناء اللحوم الحمراء الجاهزة و"دوارة" الخروف، كبديل رمزي عن ذبيحة العيد، سواء احترامًا للقرار الملكي أو انسجامًا مع ظروفهم الاقتصادية، وهو ما رفع من وتيرة الطلب على هذه المواد، ودفع بأسعارها إلى مستويات غير مسبوقة.
ووفقا لما عاينته الجريدة 24 في عدد من المجازر والأسواق، فقد تجاوز سعر "الدوارة" حدود 500 درهم، بل وصل في بعض الحالات إلى 600 درهم، بعد أن كانت لا تتجاوز 250 درهمًا في المواسم العادية، فيما بقيت اللحوم الحمراء في مستويات تتراوح بين 100 و160 درهمًا للكيلوغرام.
هذا الارتفاع المهول، الذي يتزامن مع ظرفية اقتصادية حرجة، ينذر بموسم استهلاكي متوتر ويعيد إلى الواجهة أسئلة ملحة حول جدوى الإجراءات المتخذة، ونجاعة الآليات المصاحبة، وقدرة السوق الوطنية على امتصاص الصدمات السعرية في غياب بدائل واضحة توازن بين حماية القطيع وضمان الأمن الغذائي للمواطنين.