يبدو أن مبادرة فتح الباب أمام الأطباء الأجانب للاشتغال بالمغرب لم تأت أكلها، وفق آخر الاحصائيات التي رصدتها الهيئة الوطنية للأطباء.
هذه النتائج تأتي رغم دخول القانون الجديد المنظم لمهنة الطب حيز التنفيذ، والذي يهدف إلى فتح المجال أمام الأطباء الأجانب للعمل في المغرب لتغطية الخصاص المهول في الموارد البشرية الصحية.
وكشف لبروفيسور يوسف الفقير، الأستاذ بكلية الطب، أن نتائج ولوج الأطباء الأجانب لممارسة مهنة الطب بالمغرب لا تزال "محدودة جدا".
وأفاد الفقير أن عدد طلبات التسجيل التي توصلت بها الهيئة الوطنية للأطباء من أطباء أجانب لم تتجاوز خمسين طلبا، جلها من دول إفريقية وعربية، وليس من أوروبا أو آسيا كما كان متوقعا.
المعطيات التي قدمها الفقير كانت خلال ندوة حول "هجرة الأطباء" نظمها الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، الثلاثاء. وسلط الضوء على التحديات العميقة التي تواجه القطاع الصحي في المغرب، وفي مقدمتها استمرار نزيف الكفاءات الطبية نحو الخارج.
أرقام صادمة..
وبحسب نفس المصدر، لا يتجاوز عدد الأطباء بالمغرب اليوم 30 ألف طبيب، يخدمون ساكنة تناهز 36 مليون نسمة، أي بمعدل لا يتعدى 7.5 أطباء لكل 10.000 نسمة، وهو رقم بعيد جدًا عن الحد الأدنى الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية، والذي يقارب 25 طبيبا لكل 10.000 نسمة.
هذه الهوة الكبيرة بين العرض والطلب في الموارد البشرية الصحية ترخي بظلالها على جودة الخدمات الصحية العمومية، وتزيد من تفاقم الفوارق المجالية بين المدن الكبرى والمناطق القروية والنائية، حيث تعتبر الزيارة الطبية في بعض القرى "حدثا استثنائيا"، وفق تعبير بعض الفاعلين الصحيين.
هجرة جماعية نحو أوروبا
المثير للقلق، حسب البروفيسور الفقير، هو أن المغرب لا يعاني فقط من ضعف في استقطاب الكفاءات الأجنبية، بل يعد أيضا مُصدرا للأطر الطبية نحو الخارج.
وأشار إلى أن ما يقارب 15 ألف طبيب مغربي يزاولون المهنة في فرنسا وحدها، منهم 7 آلاف ولدوا خارج أرض الوطن، كما يغادر حوالي 600 طبيب مغربي سنويا البلاد، 90% منهم يتجهون نحو ألمانيا.
ليست مشكلة الأطباء فقط
الهجرة الصحية لا تقتصر على الأطباء، بل تشمل كذلك الممرضين والتقنيين الصحيين والأطر الإدارية.
ويعزو كثير من هؤلاء قرار الهجرة إلى عوامل متعددة، أبرزها ضعف الأجور، غياب التحفيزات، ظروف العمل الصعبة، والبيروقراطية الإدارية.
ويرى العديد من المراقبين أن برامج التكوين، رغم أهميتها، لا تكفي وحدها في ظل عدم وجود بيئة مهنية تحفز على البقاء والاستقرار.
إصلاح القانون لم يقنع الأجانب
القانون الجديد، الذي أثار نقاشا كبيرا عند المصادقة عليه، جاء بوعود بفتح السوق المغربي أمام الأطباء الأجانب لتجاوز الخصاص، إلا أن الواقع يظهر عزوفا ملحوظا عن هذه الخطوة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى جاذبية المنظومة الصحية المغربية للاستثمار البشري، خصوصا في ظل التحديات الاجتماعية والمهنية التي تواجه حتى الأطر الطبية الوطنية.
حلول واقعية؟
ويرى عدد من الفاعلين في قطاع الصحة أن معالجة هذه الأزمة يتطلب مقاربة شمولية تعطي الأولوية لتحسين أوضاع المهنيين، وتوفير بيئة عمل لائقة، وتحفيز العودة والاستقرار، بدل الاكتفاء بالحلول القانونية والرقمية.