أزمة "الفراقشية" تعصف بالبرلمان.. المهمة الاستطلاعية تُقسم الفرق والعلمي يسعى لاحتواء الأزمة

لا تزال "قضية الفراقشية"، المرتبطة بدعم استيراد المواشي وتسويق اللحوم الحمراء، تُشعل الجدل السياسي داخل البرلمان، بعدما تحوّلت من ملف تقني صرف إلى ساحة صراع مفتوح بين الأغلبية والمعارضة.
هذه القضية، التي كانت تُنتظر منها إضاءة على مصير الدعم العمومي وتكلفته الحقيقية، انزلقت إلى مأزق دستوري وقانوني يهدد بانسداد غير مسبوق في العمل الرقابي للمؤسسة التشريعية.
وتعود جذور التوتر إلى خلاف حاد حول تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة كان يُفترض أن تتولى فحص آليات دعم استيراد الأبقار والأغنام ومراقبة قنوات تسويق اللحوم، في سياق تتصاعد فيه الأسئلة عن جدوى هذا الدعم ومدى وصوله فعليًا إلى المستهلك.
لكن خلافًا إجرائيًا حول أولوية البت في طلبات تشكيل المهام الاستطلاعية فجّر الخلاف، بعد أن قررت لجنة القطاعات الإنتاجية اعتماد مقترح فرق الأغلبية، متجاوزة طلبًا سابقًا تقدّم به الفريق الحركي للغرض ذاته.
واتهم الفريق الحركي رئاسة اللجنة بـ"تهميش دور المعارضة" بعد رفض اعتماد طلب تقدم به في وقت سابق لتشكيل مهمة استطلاعية مماثلة، معتمدًا في طعنه على مقتضيات النظام الداخلي الذي يُرتب أولوية دراسة الطلبات بحسب تاريخ ورودها لا وفقًا لأوزان الكتل النيابية.
واعتبر إدريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي، خلال الجلسة الأخيرة بمجلس النواب، أن ما جرى يُعد "انقلابًا على المنهجية الديمقراطية وتهديدًا لتوازن السلط داخل المؤسسة التشريعية".
داعيا إلى تدخل فوري لـ"تصحيح الوضع وضمان احترام مقتضيات الدستور المتعلقة بحقوق المعارضة".
بالمقابل، دافعت فرق الأغلبية عن قرار اللجنة، مؤكدة أن المسار الذي تم اعتماده يحترم قواعد التصويت الداخلية، وأن تشكيل المهمة الاستطلاعية تم بطريقة قانونية وديمقراطية.
كما اعتبرت أن انسحاب المعارضة من اللجنة "يُربك عمل المؤسسة التشريعية ويُضعف أداءها في ملف يحظى باهتمام واسع من الرأي العام الوطني".
وفي سياق التفاعل مع تداعيات الجدل، وجّه رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية، عبد العزيز لشهب، شكاية إلى رئيس مجلس النواب، عبّر فيها عن استيائه مما وصفه بـ"الهجمة غير المبررة" التي تعرّض لها خلال جلسة الأسئلة الشفوية المنعقدة بتاريخ 2 يونيو 2025، مشيرًا إلى أن الانتقادات التي وُجهت إليه "تفتقر للمسؤولية وتمس بصورة العمل البرلماني".
وتشير عدد من التقارير أنه من المرتقب أن يُعقد اجتماع خاص خلال الأيام المقبلة، بدعوة من رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، بهدف جمع ممثلي الأغلبية والمعارضة على طاولة واحدة، ومحاولة تقريب وجهات النظر بشأن آليات تشكيل المهمة الاستطلاعية، وسط تحذيرات من أن استمرار هذا التوتر قد يُعرقل التحقيق البرلماني في أحد أبرز ملفات الدعم العمومي، ويُضعف فعالية الدور الرقابي للمجلس في ظرفية سياسية واقتصادية دقيقة.
وتُطرح تساؤلات حول مدى قدرة البرلمان على تجاوز هذه الأزمة الداخلية، وإعادة الاعتبار للمساطر الدستورية التي تضمن التوازن بين مكونات المؤسسة، في وقت تتصاعد فيه المطالب المجتمعية بمحاسبة الجهات المستفيدة من دعم استيراد المواشي، وضمان الشفافية في تدبير المال العام المخصص لهذا القطاع الحيوي.
وكان هذا الملف قد شهد تضارب في الأرقام الرسمية بشأن كلفة الدعم في تعميق الأزمة، ففيما صرّح وزير التجهيز والماء نزار بركة بأن كلفة دعم استيراد المواشي بلغت 13 مليار درهم، نفى رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي صحة هذا الرقم، مؤكدًا أن الكلفة لم تتجاوز 300 مليون درهم.
وتدخلت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات لاحقًا لتوضيح أن الكلفة الإجمالية بلغت 437 مليون درهم موزعة بين عامي 2023 و2024، في محاولة لتهدئة الجدل وطمأنة الرأي العام.