خبراء يشخصون أزمة السياسة في المغرب.. فراغ في المضمون وتراجع للثقة

في ندوة فكرية نظّمتها مؤسسة الفقيه التطواني تحت عنوان "السياسة اليوم: أزمة فعل أم أزمة صورة؟"، قدّم عدد من الخبراء قراءات نقدية للوضع السياسي الراهن في المغرب، معتبرين أن الساحة السياسية تشهد فراغًا متزايدًا في المضمون، وتراجعًا واضحًا في دور الأحزاب ومصداقية الفاعلين، مقابل صعود الشكل على حساب الجوهر.
واعتبر كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال بالرباط، أن المغرب يعيش اليوم ما وصفه بـ"موت السياسة"، مشيرًا إلى أن الفاعل السياسي تحوّل من مسؤول ملتزم يحمل مشروعًا مجتمعياً إلى مجرد صورة للاستهلاك البصري على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن هذا التحول انعكس على تراجع الأدوار التقليدية للأحزاب، وغموض البرامج، وتعطيل مؤسسة البرلمان، إلى جانب إضعاف الوساطة الاجتماعية.
وأكد الهشومي أن هذه المؤشرات تكشف عن أزمة عميقة في الفعل السياسي، وأن ما يُمارس اليوم لم يعد سياسة بالمعنى الحقيقي، بل هو فراغ يُدار من قبل فاعلين يفتقرون إلى الرؤية والحلول، في مقابل حالة من اللامبالاة داخل المجتمع، أو احتجاجات موسمية للتعبير عن الغضب.
وأضاف المتحدث أن الممارسة السياسية أصبحت واجهة شكلية، حيث تحوّلت السياسة إلى "عرض" أو "محتوى رقمي"، في وقت تراجع فيه النموذج التقليدي للسياسي الملتزم.
وفي السياق ذاته، قال محمد الساسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، إن الحياة الحزبية في المغرب انتقلت من مرحلة الدفاع عن الاستقلالية إلى مرحلة التبعية.
وأوضح أن الأحزاب باتت تشبه بعضها البعض، سواء من حيث البرامج أو الخطاب، معتبراً أن البلاد أصبحت تعيش في ظل "حزب واحد بأسماء متعددة".
وأكد الساسي أن ما يشهده المشهد السياسي المغربي يعكس تراجعاً كبيراً في التعددية الحزبية الفعلية، مشددًا على أن الوضع الحالي يمثل انتصاراً لمنطق التوجيه المركزي والتطويع المؤسساتي، مقابل تآكل استقلالية القرار الحزبي.
واعتبر المتدخلون في الندوة أن هذه الأزمة المركّبة، التي تمس الفعل السياسي والصورة العمومية للسياسي، تدفع إلى إعادة طرح السؤال الجوهري: هل لا تزال السياسة أداة لتغيير المجتمع، أم أنها أصبحت مجرّد فرجة تُقدَّم لمجتمع فقد ثقته في جدواها؟