حرب بيانات تكشف عمق الأزمة داخل مجلس العاصمة

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

09 يونيو 2025 - 10:20
الخط :

يعيش مجلس جماعة الرباط على وقع توتر غير مسبوق بين مكونات أغلبيته السياسية ومستشاري فيدرالية اليسار، بعد اندلاع "حرب بيانات" واتهامات متبادلة تنذر بانفجار الوضع داخل مؤسسة يفترض أن تشتغل لخدمة قضايا المواطنين في "عاصمة الأنوار".

وأصدرت فرق الأغلبية المكوّنة من التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، بيانا ناريا وجه بشكل مباشر إلى مستشاري فيدرالية اليسار، متهمين إياهم بـ"الانحراف عن ضوابط الممارسة السياسية" و"التحريض" و"تشويش العمل الجماعي".

 

اتهامات أخلاقية

البيان الذي بدا كأنه "محاكمة سياسية علنية" لمنتخبي الفيدرالية، لم يتردد في وصف سلوكاتهم بـ"العبثية"، متهما إياهم بـ"الغياب عن المساهمة الجادة في صياغة البرامج أو تقديم بدائل تنموية"، بل وذهب إلى حد اتهامهم باستخدام "مصطلحات مستفزة وألفاظ ساقطة لا تليق بالممارسة السياسية النبيلة"، في إشارة إلى تصريحات سابقة صدرت عن بعض مستشاري الحزب اليساري.

وفي الوقت الذي اختارت فيه فرق الأغلبية المضي في لغة التنديد و"الاستنكار العميق"، اعتبرت أن تصريحات الفيدرالية تجاوزت حدود النقد إلى "التأثير على القضاء"، بما يشكل "انحرافا خطيرا" و"ضربا لثقة المواطنين في المؤسسات"، في إشارة إلى تصريحات تتعلق بملفات الهدم والترحيل التي هزت أخيرا حي "المحيط" بالرباط.

 

محاكم التفتيش

ولم تلتزم فيدرالية اليسار الصمت أمام هذا "الهجوم السياسي"، بل ردت في بيان سابق للمكتب السياسي وصفت فيه الوضع بأنه "تصعيد خطير" ضد نشطائها، معتبرة أن استدعاء أحد مستشاريها للتحقيق القضائي "جاء مباشرة بعد كشفه لملفات فساد داخل المجلس".

واتهمت الفيدرالية ما سمته بـ"التحالف الإداري ـ السياسي" بمحاولة إسكات الأصوات المزعجة داخل المجلس، و"تدجين الأحزاب" المشاركة في التسيير، متسائلة عن خلفيات الإجماع المتكرر على قرارات صادرة عن والي جهة الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، وعما إذا كان هناك "إملاء فوقي" في تدبير شؤون المدينة.

 

فتيل أزمة

وتعود جذور الأزمة الراهنة إلى سلسلة من عمليات الهدم والترحيل التي شهدتها بعض أحياء العاصمة، وعلى رأسها حي "غربية العتيق" و"المحيط"، وهي إجراءات فجرت غضب عدد من السكان، فيما تبنتها الفيدرالية كملف حقوقي وسياسي، رافعة شعار "ضد الهدم العشوائي والتهجير القسري"، وهي العبارات التي اعتبرتها الأغلبية "تحريضية" و"مستمدة من قاموس أمني حربي لا علاقة له بالممارسة الانتدابية".

لكن متابعين للشأن المحلي يرون أن هذه الملفات ليست سوى "واجهة مكشوفة" لصراع أعمق بين منطق التدبير التقني الذي تتبناه الأغلبية، ومنطق المعارضة الميدانية التي تصر فيدرالية اليسار على ممارسته، ولو بتكلفة سياسية باهظة.

 

أزمة ثقة.. 

وتتزامن هذه المعارك السياسية مع مؤشرات على تراجع ثقة المواطنين في مؤسسة جماعة الرباط، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الشعبية لتدهور عدد من الخدمات الأساسية بالعاصمة، من نظافة ونقل حضري إلى بنية تحتية "هشة" لا تليق بمدينة تحمل صفة العاصمة الإدارية للبلاد.

ويرى محللون أن البلاغ الأخير ليس سوى تعبير عن انسداد قنوات التواصل داخل المجلس، وعن تحول المؤسسة المنتخبة إلى "فضاء لتبادل الشتائم بدل النقاش السياسي الرصين"، مما يضعف أداءها ويدفع المواطن إلى مزيد من العزوف عن الفعل السياسي.

 

آخر الأخبار