ورش إصلاح جديد لإنهاء الريع والزبونية في الطلبيات العمومية

أعلنت الحكومة، عبر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، عن انخراطها في ورش هيكلي لتجويد مسطرة "سندات الطلب"، أحد أبرز الآليات التي ظلت لسنوات تستعمل في تنفيذ نفقات الدولة والإدارات العمومية، لكنها كثيرًا ما أُثير حولها الجدل بسبب هشاشة الضوابط وضعف الرقابة.
لقجع، في جواب كتابي على سؤال برلماني للنائب الحركي نبيل الدخش، كشف عن توجه الحكومة نحو توسيع نطاق الضوابط التي تخضع لها سندات الطلب، حتى تُساير تلك المعمول بها في الصفقات العمومية الكبرى، مؤكدا أن الأمر لم يعد يقتصر على النفقات الصغيرة أو الأعمال البسيطة، بل أصبح يشكّل جزءا جوهريا من تدبير المال العام.
قناة للشفافية
سندات الطلب، بحسب المسؤول الحكومي، لطالما اعتُبرت وسيلة إجرائية لتسهيل اقتناء الخدمات والسلع ذات الكلفة المحدودة دون الخضوع لتعقيدات الصفقات العمومية، إلا أن هشاشة هذه المسطرة جعلتها، في كثير من الأحيان، أرضا خصبة لتكريس الزبونية وحرمان المقاولات الصغيرة والمتوسطة من فرص التنافس العادل.
وشدد لقجع على أن الحكومة لم تعد تنظر إلى سندات الطلب كإجراء هامشي، بل كعقد إداري متكامل يخضع للمبادئ الدستورية المتعلقة بحسن التدبير والشفافية، وذلك ضمن رؤية إصلاحية مدعومة بتعديلات قانونية وتنظيمية، أبرزها ما جاء في المرسوم رقم 2.22.431 بتاريخ 8 مارس 2023.
منافسة إجبارية
من بين أبرز المستجدات التي أعلن عنها الوزير، إلزامية إخضاع الأعمال المنجزة عبر سندات الطلب للمنافسة المسبقة، باستثناء بعض الحالات الخاصة، إضافة إلى رقمنة العملية برمتها من خلال نشر الإعلانات على البوابة الوطنية للصفقات العمومية. وتروم هذه الخطوة تمكين جميع المقاولات من الولوج إلى فرص الشراء العمومي على قدم المساواة، واختيار العرض الأقل تكلفة وفقًا لمبدأ الشفافية التامة.
كما سيتم، ابتداء من كل سنة مالية، نشر لائحة شاملة تضم عدد وقيمة سندات الطلب التي أُبرمت خلال السنة المالية المنصرمة، وذلك بهدف ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتمكين الرأي العام من تتبع حركة المال العام.
من الضمانات البنكية إلى العقوبات
في سياق متصل، أبرز لقجع أن الإصلاحات المرتقبة تشمل أيضًا إمكانية فرض ضمانات بنكية أو كفالات تضامنية، واعتماد آليات جديدة كخدمة ما بعد البيع، وتقديم عينات أو وثائق تقنية عند الاقتضاء، وهي شروط كانت حكرًا على الصفقات العمومية الكبرى، وأصبحت اليوم مطروحة بقوة في سياق سندات الطلب.
كما لم يغفل الوزير مسألة الجزاءات، ملوحا بإمكانية فرض عقوبات على المقاولات التي تخل بالتزاماتها، ما يشي بتحول في فلسفة التعامل مع سندات الطلب، من مجرد إجراء إداري مرن، إلى عقد مُلزم تحكمه نفس القواعد الصارمة المعمول بها في الصفقات الكبرى.
رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية
التوجه الحكومي هذا، يجد دعمه في مخرجات اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، التي أصدرت عدة آراء (رقم 98/2024، 137/2024، و16/2025) تزكي هذا المسار الإصلاحي، وتعتبر سندات الطلب خاضعة بشكل كامل لمبادئ الصفقات العمومية، بما في ذلك حماية المستهلك وتقديم التراخيص القانونية اللازمة.
هل تنتهي مرحلة "تفصيل الطلبات على المقاس"؟
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال تساؤلات عديدة تطرح بشأن مدى قدرة الحكومة على فرض هذه الإجراءات على أرض الواقع، خصوصًا في ظل وجود مقاومة بيروقراطية، وتفاوت كبير في قدرات الإدارات على التفعيل الرقمي والرقابي.
غير أن المتتبعين يعتبرون أن دخول وزارة الميزانية على خط إصلاح هذا الورش، بمثل هذا الوضوح والصرامة، يمثل بداية حقيقية لمسار قد يُنهي فصولًا طويلة من تبديد المال العام تحت غطاء "الطلبات الصغيرة"، ويعيد الثقة للمقاولات النزيهة في مناخ الشراء العمومي بالمغرب