فواجع النقل السري تفضح هشاشة المنظومة وتطلق دعوات لإصلاح عاجل

الكاتب : انس شريد

10 يونيو 2025 - 10:00
الخط :

تعيش المملكة المغربية على وقع سلسلة من الفواجع المتتالية الناتجة عن حوادث السير، التي أعادت إلى الواجهة ملف النقل السري ووسائل النقل غير النظامية، وما يرافقها من غياب تام لشروط السلامة وضعف المراقبة.

هذه الحوادث التي كانت إلى وقت قريب توصف بالحوادث المعزولة، تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة تستوجب معالجة عميقة وشاملة، ليس فقط من الناحية الأمنية والقانونية، بل أيضاً من زاوية العدالة الاجتماعية وضمان الحق في تنقل آمن وكريم للمواطنين، خصوصاً في العالم القروي والمناطق النائية.

آخر هذه المآسي، والتي هزت الرأي العام الوطني، وقعت يوم الأحد 8 يونيو 2025، حينما انقلبت دراجة نارية ثلاثية العجلات من نوع "تريبورتور" بجماعة سور العز بإقليم قلعة السراغنة، مما أسفر عن مصرع سبعة أشخاص، إلى جانب إصابات متفاوتة في صفوف الركاب.

وقبل أن تخبو صدمة هذه الحادثة، لم ينس المغاربة بعد فاجعة مماثلة وقعت في 26 ماي المنصرم بجماعة سبت الكردان بإقليم تارودانت، أودت بدورها بحياة أربع نساء. هذا التواتر في الفواجع أصبح يثير تساؤلات جدية حول أسباب استمرار وسائل نقل غير قانونية في التحرك بكل حرية، دون تدخل رادع من الجهات المسؤولة.

وعبرت جمعيات حقوقية ومدنية، عن قلقها من تصاعد هذه الكوارث، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي أصدرت بياناً شديد اللهجة، وصفت فيه الوضع بـ"الاستهتار بأرواح المواطنين"، منتقدة بشدة السماح باستعمال وسائل نقل غير آمنة، لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط السلامة، وتتحول في الكثير من الأحيان إلى وسيلة للموت الجماعي بدل أن تكون وسيلة للتنقل.

وتساءلت الجمعية عن دور السلطات المحلية، والدرك الملكي، والمجالس المنتخبة في مراقبة وتنظيم هذا النوع من النقل، مبرزة أن الظاهرة تقع أمام أنظار الجميع دون أن يُسجّل أي تحرك فعلي يضع حداً لهذا النزيف المستمر.

البيان ذاته دعا إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف في حيثيات الحادثة، مع نشر نتائجه للرأي العام، محملاً الوزارة الوصية مسؤولية التراخي في فرض النظام داخل قطاع النقل، خاصة في الوسط القروي حيث تعاني الساكنة من هشاشة في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها وسائل النقل المؤمنة.

ويبرز في قلب هذا الجدل المستمر، موضوع استعمال "التريبورتور" لنقل الأشخاص، رغم أن القانون المغربي لا يجيز استعمال هذا النوع من العربات إلا لنقل البضائع.

ويؤكد مهنيون في قطاع النقل أن السماح الضمني بتحول هذه العربات إلى وسيلة نقل بشري خلق فوضى مرورية خطيرة، وساهم في ارتفاع نسبة الحوادث القاتلة، لاسيما أن معظم سائقي هذه العربات يفتقرون إلى تكوين أو تأهيل مسبق، كما أن مركباتهم لا تخضع لأي نوع من الفحص التقني أو المراقبة المنتظمة.

واشتكت عدد الأحزاب المنتمية للمعارضة مرارا في قبة البرلمان، من غياب إرادة سياسية حقيقية لحسم هذا الملف، إذ أن الإشكال يتجاوز مسألة المراقبة التقنية ليصل إلى غياب بدائل حقيقية للمواطنين في المناطق الفقيرة والمعزولة، حيث يصبح "التريبورتور" أو النقل السري الوسيلة الوحيدة للتنقل، أمام عجز الدولة عن توفير أسطول نقل عمومي منتظم ومهيكل في هذه المناطق.

وفي ظل هذا الواقع، يستمر هذا النوع من النقل في التوسع دون قيد أو شرط، بل ويستغله البعض في أنشطة غير قانونية تتراوح بين التهريب، والنقل السري، بل وأحياناً السرقة والاعتداءات.

على مستوى الخطاب الحكومي، سبق لوزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح أن أقر أمام البرلمان بأن ركاب "التريبورتور" هم من بين الفئات الأكثر تعرضاً لحوادث السير المميتة. كما أثار تصريح سابق له داخل مجلس النواب جدلاً واسعاً، عندما دافع عن بعض ممتهني النقل السري، واصفاً إياهم بـ"العتاقة" الذين يقومون بـ"عمل كبير"، خاصة في المناطق الجبلية والقروية.

ورغم هذا الاعتراف بخطورة الوضع، إلا أن خطوات الإصلاح ظلت محتشمة ومتقطعة، ولا ترقى إلى مستوى الظاهرة التي باتت تحصد أرواح الأبرياء بشكل متكرر.

ويرى كثير من الفاعلين المدنيين أن الحل لا يكمن في الزجر وحده، بل في صياغة استراتيجية نقل شاملة تراعي العدالة المجالية وتوفر وسائل نقل آمنة وميسرة للجميع، إلى جانب تحصين المنظومة القانونية ومضاعفة المراقبة الميدانية، وتفعيل آليات المحاسبة في وجه المقصرين، سواء من المسؤولين المحليين أو من الفاعلين في قطاع النقل.

أمام هذا الواقع المتردي، تظل الحاجة ماسة إلى تحرك عاجل، من أجل تجنيب المغرب مزيداً من الفواجع التي تدمي القلوب، وتفقد المواطنين الثقة في مؤسساتهم.

آخر الأخبار