بين أرقام مزور وانتقادات البرلمان.. سياسات الاستثمار والتشغيل تحت المجهر

الكاتب : انس شريد

11 يونيو 2025 - 07:30
الخط :

سلط مجلس المستشارين، اليوم الأربعاء، الضوء على فعالية السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل، وذلك في ندوة وطنية نظمتها المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقييم هذه السياسات، والتي عرفت مشاركة عدد من الفاعلين الحكوميين والمؤسسات العمومية والشركاء الاجتماعيين، في إطار قراءة جماعية لأثر هذه السياسات على الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة.

وفي كلمة افتتاحية بالمناسبة، أكد عبد القادر الكيحل، رئيس المجموعة الموضوعاتية، أن محدودية أثر السياسات والاستراتيجيات الوطنية في مجال الاستثمار والتشغيل تطرح تساؤلات جوهرية بشأن مدى نجاعة تدخلات الفاعل العمومي، وكذا البرلماني بشكل خاص، مشيرًا إلى أن هذا التقييم يندرج في صميم الاختصاصات التي منحها دستور 2011 للبرلمان، إلى جانب التشريع والرقابة.

واعتبر أن الاستثمار والتشغيل لم يكونا مجرد شعار ظرفي، بل شكّلا محورًا استراتيجيًا للسياسات العمومية خلال العقد الأخير، لما لهما من دور حاسم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق الثروة وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

وأوضح الكيحل أن المجموعة عقدت أكثر من عشر جلسات عمل مع فاعلين من مختلف المشارب، ضمن مقاربة شاملة امتدت لأزيد من ثلاثين ساعة من الحوار والنقاش المعمق، تم خلالها الاستماع إلى وجهات نظر ممثلي الحكومة، ومسؤولي المؤسسات العمومية، والهيئات الاجتماعية، ومنتخبي الجماعات الترابية، بخصوص واقع وآفاق الاستثمار والتشغيل في المغرب، وذلك في الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2025.

وأضاف أن المجموعة تبنت لأول مرة منهجية عمل ميدانية، حيث عقدت معظم اجتماعاتها خارج أسوار البرلمان، وحرصت على زيارة مقرات الفاعلين المعنيين، قصد رصد المعطيات عن قرب، والاطلاع على الأرقام والتقارير بشكل مباشر.

وشدد الكيحل على أن موضوع التشغيل والاستثمار لا يمكن التعامل معه من زاوية تقنية محضة، بل هو قضية وطنية تمس كرامة المواطن وتحدد ملامح مستقبل الأجيال القادمة، لافتًا إلى أن المجموعة انكبت على تحليل المعطيات الصادرة عن التقارير الوطنية والدولية المعنية بهذا المجال، لتقديم تقرير موضوعي وواقعي يعكس التحديات ويقترح توصيات عملية تتجاوز الخطابات العامة والمزايدات السياسوية.

من جهته، أشار لحسن حداد، نائب رئيس مجلس المستشارين، إلى أن المسار الاستثماري في المغرب لا يزال يواجه تحديات بنيوية حقيقية، يأتي في مقدمتها التمركز المفرط للقرار الإداري، وضعف التنسيق بين السياسات العمومية، إضافة إلى محدودية القدرات التدبيرية على المستوى الجهوي، مما يعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق تنمية متوازنة.

وفي هذا السياق، شدد حداد على ضرورة تبني رؤية شمولية ومندمجة ترتكز على نقل فعلي للاختصاصات والموارد نحو الجهات، وإحداث آلية تنسيقية دائمة بين الدولة والمجالس الجهوية، مع تعزيز الإمكانيات البشرية واللوجستيكية للمراكز الجهوية للاستثمار، بما يمكّنها من التحول إلى فاعل أساسي في الدينامية التنموية الترابية.

ومن جهته، أكد رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، أن المغرب يعيش دينامية استثنائية في مجال الاستثمارات الصناعية، مبرزًا أن القطاعات الواعدة، وعلى رأسها الاقتصاد الأخضر، تمثل رافعة استراتيجية لتحديث النسيج الاقتصادي الوطني وخلق فرص شغل ذات جودة.

وأشار إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة للصناعة تضاعفت ثلاث مرات خلال العقد الأخير، حيث بلغت قيمتها حوالي 16.5 مليار درهم سنة 2024، مقارنة بـ5.4 مليارات درهم سنة 2010، وهو ما يعكس، بحسب الوزير، تنامي ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد المغربي.

وفي سياق تعزيز العدالة المجالية، أبرز الوزير أن وزارته أولت اهتمامًا بالغًا بتوزيع المشاريع الصناعية خارج المحور التقليدي الرباط – الدار البيضاء – طنجة، مشيرًا إلى أن 30 في المئة من المشاريع الصناعية الجديدة تم توجيهها إلى جهات أخرى، مما يعكس توجها واضحًا نحو إنصاف المناطق الأقل استفادة سابقًا من الاستثمارات.

وأوضح أنه منذ سنة 2014 تم توقيع ما مجموعه 1868 مشروعًا صناعيًا باستثمارات متوقعة تفوق 378 مليار درهم، مع التزام بخلق ما يزيد عن 420 ألف منصب شغل مباشر.

وفي إطار تنزيل ميثاق الاستثمار الجديد، كشف مزور أن اللجنة الوطنية للاستثمارات دعمت 191 مشروعًا بإجمالي استثمارات بلغ 326 مليار درهم، يتوقع أن تخلق أزيد من 150 ألف منصب شغل، 81 بالمئة منها في القطاع الصناعي، وهو ما يعكس التوجه نحو ترسيخ الصناعة كركيزة للتنمية الاقتصادية.

كما أشار الوزير إلى نجاح بنك المشاريع الصناعية في استقطاب 1839 مشروعًا صناعيًا بقيمة استثمارية تفوق 124 مليار درهم، موزعة على مختلف جهات المملكة، مما سيساهم في خلق ما يقارب 180 ألف فرصة عمل مباشرة.

وفي سياق الحديث عن آفاق التنمية الصناعية، سلط الوزير الضوء على المؤهلات الواعدة للمغرب في عدد من القطاعات المستقبلية، وعلى رأسها صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، حيث أكد أن المملكة بصدد بناء سلسلة صناعية متكاملة تشمل مختلف مراحل الإنتاج، من استخراج المعادن إلى تصنيع السيارات، وذلك في أفق خمس سنوات فقط.

كما أشار إلى الإمكانات الكبيرة المتوفرة في مجال الهيدروجين الأخضر، موضحًا أن المغرب يتوفر على كل المؤهلات التي تخوّله لعب دور محوري في تزويد السوق الأوروبية بهذه المادة الحيوية، مع إمكانية تطوير منظومة صناعية محلية تشمل الإلكتروليتات ومكونات الطاقة وأنظمة التخزين والنقل.

وأكد الوزير أن المغرب لا يراهن فقط على استقطاب الاستثمارات، بل على تطوير قاعدة صناعية وطنية قائمة على الابتكار والسيادة الصناعية، تماشيا مع التوجيهات الملكية، خصوصًا ما ورد في خطاب العرش لسنة 2024، الذي دعا إلى إحداث صناعة وطنية لتحلية المياه، وتشجيع منظومة من الشركات المغربية العاملة في هذا المجال الحيوي، ضمن منظور شمولي للأمن المائي الوطني.

واختتم مزور كلمته بالتأكيد على أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في الانتقال من منطق الكم إلى منطق الكيف، ومن التركيز على جلب الاستثمارات إلى ضمان استدامتها وتوزيع ثمارها بشكل عادل.

معتبرا أن الإصلاحات المتتالية التي عرفها مناخ الأعمال في المغرب، لاسيما فيما يخص تبسيط المساطر، والرقمنة، وتحسين آليات التمويل، تُعد خطوات أساسية لكنها غير كافية، ما لم يتم ربطها بمنظور تنموي متكامل يضع المواطن في صلب الاهتمام، ويجعل من التشغيل هدفا مركزيا لكل سياسة استثمارية.

آخر الأخبار