أزمة دوائية تهدد آلاف المصابين بفرط الحركة.. الأسر في مواجهة المجهول وصمت رسمي مقلق

يشهد المغرب في الآونة الأخيرة أزمة صحية مقلقة بسبب شبه الانقطاع الكامل لأدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ما فاقم معاناة مئات الأسر المغربية التي تعيش اليوم حالة من القلق والعجز أمام غياب علاج حيوي لأطفالها.
هذا النقص الحاد خلق حالة من الاستياء في الأوساط الطبية والحقوقية، وسط صمت الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الصحة والوكالة الوطنية للأدوية، التي لم تصدر أي توضيحات رسمية بشأن هذه الوضعية الحرجة.
ويعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من بين أكثر الاضطرابات العصبية والنفسية انتشارًا في أوساط الأطفال والمراهقين، ويتطلب علاجات منتظمة تساعد المصاب على الاستقرار النفسي والتحصيل الدراسي والاندماج الاجتماعي.
غير أن انقطاع الأدوية أدى إلى انتكاسات في حالات كثيرة، ما أثار مخاوف الأسر التي باتت تبحث في الأسواق عن بدائل، دون جدوى، أو تلجأ لاقتناء أدوية موازية من الخارج بأسعار باهظة.
هذا الملف الحساس سبق أن وصل إلى البرلمان، حيث وجّه النائب عبد الله بوانو سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، واصفًا غياب هذه الأدوية بالتقصير في ضمان الحق في العلاج، ومطالبًا بتوضيحات حول أسباب التأخر في الترخيص والتوزيع، والإجراءات المزمع اتخاذها لتدارك هذا النقص.
كما تساءل عن الجدول الزمني المفترض لضمان عودة هذه الأدوية إلى رفوف الصيدليات، خاصة في ظل ازدياد حالات الإصابة وتشخيص الاضطراب في المدارس والعيادات المتخصصة.
النائب رشيد حموني بدوره سبق أن دق ناقوس الخطر، محذرًا من أن هذا الانقطاع المتواصل يهدد بتفاقم مشكلات اجتماعية وتعليمية، بالنظر إلى الأثر العميق لهذا الاضطراب على الأداء الدراسي والسلوك اليومي للمصابين، داعيًا إلى تدخل فوري من قبل الوزارة الوصية لإدراج هذه الأدوية ضمن قائمة الأولويات الاستراتيجية للصحة العمومية.
وفي خضم هذا الجدل، عبّرت عدة جمعيات وهيئات مدنية ونفسية عن قلقها العميق إزاء استمرار غياب الأدوية، محذّرة من تأثيراته على الاستقرار الأسري والنفسي للمتضررين.
وقد طالبت كل من اللجنة الوطنية لاضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة والمرصد المغربي للتربية الدامجة، بإدراج علاج هذا الاضطراب ضمن السياسات العمومية، وتوفير الأدوية بشكل منتظم، بعيدًا عن التعقيدات الإدارية أو القيود التنظيمية التي تعطل وصولها إلى المرضى.
وأعلنت الهيئتان عن تنظيم ندوة صحفية خلال الأيام القليلة المقبلة، تهدف إلى تسليط الضوء على هذا الملف، والدعوة إلى حوار وطني مسؤول، يستحضر البعد الإنساني والاجتماعي والصحي لهذه الفئة.
وستشكل هذه الندوة مناسبة لعرض شهادات أسر وأطباء متخصصين، واستعراض أرقام ومؤشرات تنذر باتساع رقعة المتضررين، في غياب تدخل ملموس من الجهات المختصة.
وفي سياق متصل، أصدر المركز المغربي لحقوق الإنسان بيانًا دعا فيه وزارة الصحة إلى تحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في ضمان الحق في العلاج، مؤكدًا أن انقطاع الأدوية ليس مجرد خلل ظرفي، بل مؤشر على أزمة أعمق في تدبير ملف الأدوية ذات الطابع النفسي والعصبي.
وشدد المركز على ضرورة إحداث تحول نوعي في السياسات الدوائية الوطنية، من خلال دعم الصناعة المحلية وتخفيف الاعتماد على الاستيراد، إلى جانب تفعيل مسارات الدعم النفسي والتربوي للمصابين وأسرهم، بشكل يضمن اندماجهم الكامل في المجتمع.
وفي ظل استمرار الأزمة، تبقى الأسر المغربية المعنية بهذا الاضطراب في انتظار خطوات عملية وفعلية تعيد الطمأنينة إلى يومياتها، وتؤكد على التزام الدولة بمسؤولياتها في حماية صحة مواطنيها، خاصة الفئات الهشة التي تواجه تحديات مركبة تستدعي استجابة عاجلة ومنسقة.