عدالة غائبة في توزيع المشاريع.. منتخبون يطالبون بالشفافية في الدار البيضاء

يتصاعد الجدل في مدينة الدار البيضاء حول ما يصفه عدد من المنتخبين بـ"غياب العدالة المجالية" في توزيع المشاريع التنموية، وسط اتهامات متزايدة للمجلس الجماعي بتكريس التفاوت بين المقاطعات وتعميق الفجوة التنموية بين الأحياء.
وقد عبّر عدد من المستشارين الجماعيين، خلال الدورة الاستثنائية الأخيرة للمجلس الجماعي، عن استيائهم مما اعتبروه "تمييزاً ممنهجاً" في برمجة المشاريع، مطالبين بإعادة النظر في السياسات الحالية لتحقيق إنصاف حقيقي لكافة ساكنة المدينة.
ونددت أصوات عدة داخل المجلس الجماعي بما وصفته اختلالات صارخة في توزيع الاستثمارات، حيث تتركز المشاريع الكبرى في مقاطعات محددة، فيما تبقى مقاطعات أخرى على الهامش، تعاني من نقص واضح في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
في هذا السياق، برزت مداخلات قوية لعدد من المنتخبين المعارضين، من بينهم مصطفى منضور، عضو فريق التقدم والاشتراكية، الذي وجه انتقادات حادة للمكتب المسير، مستنكراً ما وصفه بـ"تهميش ممنهج" لمقاطعة الحي الحسني، التي قال إنها لا تستفيد سوى من "الفتات" مقارنة بالمشاريع الضخمة التي تحظى بها مقاطعات أخرى.
واعتبر منضور أن الحديث عن العدالة المجالية يبقى مجرد شعار فارغ في ظل ما وصفه بالتحيز الواضح في توزيع المشاريع.
وأشار إلى أن مشروع تهيئة شارع أفغانستان، الذي تم إدراجه في برنامج التأهيل، لا يرقى إلى مستوى انتظارات سكان الحي الحسني، الذين ما زالوا يعانون من خصاص كبير في المرافق الحيوية، على رأسها الصحة، التعليم، النقل الحضري، والمناطق الخضراء.
الاتهامات لم تتوقف عند حدود الحي الحسني، بل امتدت إلى مقاطعات أخرى مثل سيدي مومن، مولاي رشيد، التي اعتبرها منتخبون في المعارضة ضحية لسياسة إقصائية لا تراعي حاجيات الساكنة ولا الأولويات التنموية الملحة.
وأكد هؤلاء أن المجلس الجماعي يفتقر إلى رؤية استراتيجية تضمن توزيعا منصفا للاستثمارات بين مختلف مناطق المدينة، وهو ما يخلق حالة من الاحتقان والسخط الشعبي، خاصة في المناطق المهمشة التي تعاني من تراكم المشاكل البنيوية والاجتماعية.
وفي خضم هذا الجدل، تزايدت الدعوات من مختلف الأطياف السياسية داخل المجلس إلى ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية وشفافة في إعداد برامج التأهيل الحضري، تقوم على معايير واضحة وموضوعية، بعيدة عن الحسابات السياسية والولاءات الحزبية.
كما طالب المنتخبون بتقارير مفصلة حول الكيفية التي يتم بها تحديد أولويات المشاريع، مشددين على ضرورة الانصات لنبض الشارع المحلي والاستجابة لحاجيات السكان في جميع المقاطعات دون تمييز.
ولم تقتصر الانتقادات على المنتخبين وحدهم، بل وجدت صدى واسعاً في أوساط الفاعلين الجمعويين والنشطاء المحليين، الذين لجؤوا إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائهم من استمرار ما أسموه "منطق الانتقاء" في برمجة المشاريع.
وعبّر عدد منهم عن قلقهم من أن تبقى بعض الأحياء خارج خارطة التنمية، رغم ما تعانيه من هشاشة اجتماعية واكتظاظ سكاني، في وقت يتم فيه تسويق صورة مشرقة عن المدينة في المحافل الوطنية والدولية.
وتتزامن هذه الانتقادات مع تحضيرات مكثفة تخوضها مدينة الدار البيضاء استعداداً لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، أبرزها كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم سنة 2025، وكأس العالم لكرة القدم سنة 2030، ما يفرض تعبئة استثنائية لتأهيل المدينة وتطوير بنياتها التحتية على نطاق واسع.
غير أن أصواتاً عديدة تحذر من أن التركيز على مشاريع "الواجهة" قد يتم على حساب العدالة المجالية، مما يهدد بتعميق التفاوتات بدل تقليصها.
في ظل هذا الوضع، تبقى ساكنة الأحياء المهمشة تنتظر أجوبة صريحة من المجلس الجماعي، الذي يرفع شعار تمثيل كافة سكان الدار البيضاء دون تمييز، فيما الواقع يؤشر على استمرار سياسات انتقائية تضع علامات استفهام كبيرة حول مدى التزام الفاعلين المحليين بمبادئ الإنصاف والمساواة.