خبراء: الحكم الذاتي مشروع سياسي متكامل.. والجزائر تستغل البوليساريو لتحقيق أهدافها

الكاتب : انس شريد

13 يونيو 2025 - 08:30
الخط :

ناقش مختصون في العلاقات الدولية والقانون الدولي مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب كحل نهائي للنزاع حول الصحراء المغربية، معتبرين أنها مبادرة واقعية وجادة، لكنها تواجه تحديات معقدة على الصعيدين الداخلي والدولي، تتطلب تعاملاً متزنًا ومقاربات دقيقة لإنجاحها.

جاء ذلك خلال ندوة نظمتها مؤسسة علي يعته يوم أمس الخميس، ناقشت موضوع الوحدة الترابية ومقترح الحكم الذاتي كخيار نهائي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء.

وفي هذا الإطار، قال عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لا يمكن تنزيلها بشكل أحادي، كما قد يتصور البعض، مشددًا على أنها مبادرة تفاوضية أطلقتها الرباط في إطار المسار الأممي الرامي إلى إيجاد حل متوافق عليه بين مختلف الأطراف.

وأوضح أن أي تصور أحادي أو مفرط في الطموح قد تكون له تبعات سلبية على المنطقة، معتبرًا أن المرحلة تقتضي نظامًا ترابيًا وطنيًا يعيد تنظيم العلاقة بين المركز والجهات وفق منطق التوازن والوضوح المؤسساتي.

ودعا البلعمشي إلى الفصل بين المسارين الداخلي والدولي في مقاربة القضية، مؤكدًا أن نجاح أي حل مرهون بفهم طبيعة التحديات الإقليمية المعقدة، وعلى رأسها موقف الجزائر، الذي وصفه بالمتصلب والمعرقل لأي تقدم.

كما تساءل عن إمكانية وجود انقسام داخل جبهة البوليساريو بخصوص الموقف من المقترح المغربي، معتبرًا أن هذا التباين المحتمل يمثل تحديًا دقيقًا يجب التعامل معه بواقعية وحذر.

على المستوى الداخلي، أشار البلعمشي إلى ضرورة تحديد موقع الصحراويين في المنظومة السياسية والاقتصادية الجديدة، مع طرح أسئلة جوهرية حول التمثيلية النوعية، والتمييز الإيجابي، وهيكلة القطاعات الحكومية بما يضمن إشراكًا حقيقيًا للسكان المحليين.

كما نبه إلى أهمية مراعاة خصوصية الصحراويين الأصلاء، محذرًا من الانزلاق نحو تعميم غير دقيق قد تفرضه طبيعة التركيبة غير المتجانسة في مخيمات تندوف.

من جانبه، أكد عبد الفتاح نعوم، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بنفس الجامعة، أن مقترح الحكم الذاتي ليس مناورة دبلوماسية أو طرحًا مؤقتًا، بل مبادرة جادة قائمة على مرجعية تاريخية وإدارية مغربية راسخة.

وأوضح أن المغرب لا يسعى من خلال هذا المقترح إلى كسب الوقت، بل يقدّمه انطلاقًا من إرث مؤسساتي وتجربة عريقة في تدبير الشأن الترابي.

وشدد نعوم على أن الدبلوماسية المغربية تقدّم المقترح كنقطة وصول واضحة المعالم، وليس كبداية غامضة لمسار تفاوضي غير محدد، مبرزًا أن تفاصيل المقترح تشمل توزيع الصلاحيات، ومجالات السيادة، والتصميم المؤسساتي، بما يجعله مبادرة ذات بعد قانوني وسياسي متكامل.

وفي الاتجاه ذاته، أكدت كجمولة أبي، رئيسة المبادرة الصحراوية للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، أن أي حل سياسي لن يكون قابلًا للاستمرار ما لم يلقَ قبولًا شعبيًا واسعًا داخل الأقاليم الجنوبية، معتبرة أن الانخراط الشعبي هو الضامن الأساسي لنجاح أي مشروع حكم ذاتي.

وذكرت بالتاريخ الطويل للنزاع الذي يعود إلى ستينيات القرن الماضي، معربة عن أسفها لكون الملف لا يزال يراوح مكانه داخل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المعنية بتصفية الاستعمار، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

واستحضرت المتحدثة ذاتها، الجانب الإنساني للنزاع، مشيرة إلى معاناة العائلات المشتتة والظروف الصعبة التي تعيشها فئات واسعة داخل المخيمات، مؤكدة أن الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا إنسانيًا في جوهره، قبل أن يكون سياسيًا أو قانونيًا.

أما البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو سابقًا، فاتهم الجزائر باستغلال قضية الصحراويين لخدمة أجنداتها الجيوسياسية، مشددًا على أن ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" بنيت على تجميع عناصر من جنسيات متعددة لا تمثل سكان الصحراء الحقيقيين.

وأشار إلى أن إحصاءات الأمم المتحدة عام 1988 أكدت أن الغالبية الساحقة من المعنيين بالنزاع يعيشون داخل الأقاليم الجنوبية المغربية، وهو ما يدل على أن المغرب يحتضن فعليًا أغلب الصحراويين.

وأوضح أن الخلط بين الهوية الصحراوية والانفصالية أمر خاطئ، مؤكدًا أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المغرب منذ قرون، وهو ما تؤكده المعطيات التاريخية المتعلقة بحركات المقاومة كجيش التحرير وحركة أحمد الهيبة.

كما لفت إلى أن الحكم الذاتي خيار معمول به في العديد من الديمقراطيات الغربية، ولا يتعارض مع الوحدة الترابية، بل يعززها من خلال الاعتراف بالتنوع والتدبير الجهوي.

وفي السياق ذاته، أشار محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إلى أن المبادرة المغربية باتت تقترب من أن تكون الخيار الوحيد المطروح على الطاولة الدولية، خاصة بعد سلسلة النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الرباط في السنوات الأخيرة.

ودعا إلى فتح نقاش داخلي حول تفاصيل المشروع، ليس من باب الاستباق السياسي، ولكن تحسبًا لأي مرحلة تفاوضية قادمة.

كما أكد على ضرورة ربط المبادرة بجبهة داخلية قوية ومتجانسة، تكون قادرة على دعم الطرح المغربي، والرفع من منسوب الإصلاح والديمقراطية، في انسجام تام مع الدينامية التي تقودها المملكة منذ عقود.

وختم بنعبد الله بالتأكيد على أن التحولات الإقليمية والدولية الراهنة تمثل فرصة سانحة لتعزيز المكتسبات الوطنية، وجعل مقترح الحكم الذاتي انطلاقة جديدة لمسلسل ديمقراطي تنموي يعكس روح الوحدة الترابية والسيادة الكاملة للمغرب على أراضيه.

آخر الأخبار