بنعبد الله يدعو إلى مصالحة سياسية مع الشباب ويُندد بالفساد الانتخابي

وجه محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نداءً صريحاً لإعادة الاعتبار لمكانة الشباب في الفضاء السياسي المغربي، مشدداً على أن هذه الفئة لا ينبغي أن تظل أسيرة التصورات النمطية التي تعتبرها "قوة مستقبلية فقط"، بل يجب إدماجها الفوري كفاعل حاضر وضروري في العمل السياسي الوطني.
جاء ذلك خلال مداخلة له في لقاء حزبي احتضنه مقر الحزب بالرباط، عقد مؤخرا، بحضور عدد من الهيئات الشبابية النشيطة، من بينها "نخبة القادة الشباب" و"جمعية الشباب المغاربة بتونس" و"نادي الشباب القانونيين"، إلى جانب ممثلين عن اتحاد الشباب المغربي، لمناقشة موضوع "ملتمس الرقابة والشباب في قلب الفعل السياسي".
واعتبر بنعبد الله أن مقاربة مشاركة الشباب ما تزال تعاني من قصور مؤسساتي ونظرة دونية، تنتج عن تصورات تعتبر أن الشباب غير مهتم بالسياسة أو غير قادر على الفعل السياسي الجاد.
وأوضح أن الواقع العملي، كما ظهر في اللقاء، يعكس وعياً سياسياً متقدماً لدى شريحة واسعة من الشباب، سواء من خلال طبيعة مداخلاتهم أو أسلوب تنظيمهم وتواصلهم.
وتابع قائلاً إن هذا المعطى يمثل دليلاً إضافياً على ضرورة دمجهم في آليات القرار السياسي وتوفير المساحات لهم داخل الأحزاب والمؤسسات.
وفي سياق انتقاده للوضع السياسي الراهن، حذّر بنعبد الله مما سماه "الهيمنة المقلقة لبعض الأساليب الفاسدة على الممارسة السياسية والانتخابية"، مشيراً إلى تفشي ظاهرة شراء الأصوات واستعمال المال بدل الكفاءة، وهي ممارسات قال إنها تُنفر الشباب وتُكرّس العزوف السياسي وتُضعف ثقة المواطن في جدوى العملية الانتخابية.
ولفت إلى أن هذا الوضع لا يمكن تغييره إلا من خلال ضخ دماء جديدة ونظيفة في الجسم السياسي، تتبنى قيم الكفاءة والنزاهة والالتزام بقضايا الشعب.
وتوقف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عند أرقام المشاركة الانتخابية، التي وصفها بالمقلقة، موضحاً أن عدد المغاربة الذين تتجاوز أعمارهم 18 سنة يفوق 27 مليون نسمة، في حين لا يتعدى عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية 18 مليوناً، ولم يصوت منهم سوى 8 ملايين في استحقاقات 2021.
وأكد أن هذه الأرقام تترجم بشكل واضح اتساع الهوة بين فئة واسعة من الشباب ومؤسسات الوساطة، بما فيها الأحزاب السياسية.
وذكّر في هذا السياق بأن حزبه كان من بين القوى السياسية التي دافعت عن تخفيض سن التصويت إلى 18 سنة وسن الترشح إلى 21 سنة، معتبراً أن هذا التحول يُعد فرصة ثمينة لتمكين الشباب من المساهمة الفعلية في الشأن العام، إذا ما توافرت الإرادة السياسية لذلك.
وشدد بنعبد الله على أن بعض الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب في الأغلبية الحكومية، تتعمد تهميش الشباب خلال الاستحقاقات الانتخابية، مفضلةً الاعتماد على "خزاناتها التقليدية" بالمناطق الشعبية، في وقت تملك فيه فئة غير المصوتين إمكانات تغيير حقيقية للخريطة السياسية.
وأوضح أن مليون ناخب جديد من هذه الفئة بإمكانه أن يحدث فارقاً كبيراً، خصوصاً إذا علمنا أن الحكومة الحالية تشكلت بناءً على تصويت حوالي 9 ملايين فقط، بما في ذلك الأصوات الملغاة.
وفي ما يشبه تحميل المسؤولية للمؤسسات الرسمية، دعا بنعبد الله وزارة الداخلية إلى اتخاذ خطوات عملية للحد من استغلال المال في الانتخابات، لكنه عبّر عن شكوكه بشأن وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة هذه الظاهرة.
واعتبر أن الحل البديل يكمن في اقتحام فئات جديدة، نزيهة وواعية، للمجال السياسي بغرض إعادة تشكيل المشهد السياسي الوطني على أسس جديدة تكرّس الشفافية والكفاءة.
من جهة أخرى، لم يفوت الأمين العام لـ"حزب الكتاب" الفرصة دون التوقف عند فشل ملتمس الرقابة الذي كانت المعارضة تفكر في التقدم به لإثارة مسؤولية الحكومة. وأكد أن فشل هذه المبادرة بعث رسالة سلبية للرأي العام وأضعف صورة العمل السياسي برمته.
وأوضح أن حزب التقدم والاشتراكية قدّم تنازلات من أجل إنجاح هذه اللحظة السياسية التي كان يُرجى أن تكون مفصلية، لكن اتضح لاحقاً أن أطرافاً، تقوم بتغليب المصالح الحزبية الضيقة على الرهانات الوطنية الكبرى.
واستغرب بنعبد الله مما وصفه بـ"الخطاب المبكر" لبعض أحزاب الأغلبية الذين يتحدثون منذ الآن عن رئاسة حكومة 2026، متهماً إياهم باستغلال رمزية المنتخب الوطني المغربي لخدمة أجندات انتخابية مبكرة، في وقت يجب فيه التركيز على إصلاح الواقع السياسي الراهن.
وشدد في ختام كلمته على ضرورة بناء أمل سياسي جديد ينطلق من الشباب، ويرتكز على الوعي والكفاءة والإرادة الحقيقية في التغيير، معتبراً أن الرهان اليوم لا يتعلق فقط بالمستقبل، بل بالحاضر أيضاً.