غياب تفعيل القوانين الاجتماعية يعمق هشاشة ضحايا الحوادث المهنية

الكاتب : انس شريد

15 يونيو 2025 - 09:30
الخط :

تعيش فئة ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية في المغرب أوضاعاً صعبة ومقلقة بسبب التأخر المستمر في إصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بالقوانين المؤطرة للتعويضات، وفي مقدمتها القانون رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، والقانون رقم 27.23 المصادق عليه حديثاً والذي يهدف إلى الرفع من قيمة الإيرادات بنسبة 20%.

هذا التأخير في التفعيل التشريعي حرم الآلاف من الضحايا وذوي الحقوق من مستحقات قانونية تعد حقاً مشروعاً ومكسباً اجتماعياً حيوياً، في وقت تزداد فيه حدة المعاناة بفعل التدهور الصحي والاجتماعي وغلاء المعيشة.

ورغم دخول القانون 18.12 حيز التنفيذ منذ سنة 2015، فإن عدداً من مقتضياته ظلت دون تنفيذ فعلي، بسبب عدم صدور المراسيم التنظيمية اللازمة لتفعيله، وعلى رأسها المراسيم المتعلقة برفع مبالغ الإيرادات وتلك الخاصة بتحديد مساهمات التأمين وإعادة التأمين الموجهة لتمويل صندوق الزيادة في الإيرادات. ويضاف إلى هذا التأخر، عدم انتظام صدور القرارات ذات الصلة، إذ لم تصدر آخر زيادة في الإيرادات سوى سنة 2019، ما خلف فراغاً تنظيمياً واضحاً ومساساً مباشراً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لفئة تعتبر من بين الأشد هشاشة في المجتمع المغربي.

في هذا السياق، انتقل الملف إلى البرلمان، حيث وجه النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف الزعيم سؤالاً كتابياً إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مطالباً بتوضيح أسباب هذا التأخير.

ومؤكداً في معرض سؤاله أن القانون الجديد رقم 27.23، الذي تم اعتماده منذ مارس 2023 لتقوية الإطار القانوني القائم، لم يعرف إلى اليوم أي تفعيل فعلي بفعل غياب النصوص التنظيمية الضرورية.

واعتبر النائب البرلماني، أن استمرار هذا الوضع يشكل إخلالاً واضحاً بالتزامات الدولة الاجتماعية، ويتعارض مع مبادئ الدستور ومع حقوق المواطنين المتضررين الذين ينتظرون هذه الزيادات منذ سنوات.

وتساءل عبد اللطيف الزعيم عن التدابير التي تعتزم الوزارة  الوصية اتخاذها من أجل التعجيل بإصدار النصوص التنظيمية الخاصة بالقانونين رقم 18.12 و27.23 السالفي الذكر؟ ومتى سيتم تفعيل المنظومة القانونية للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية بشكل كامل، لضمان الإنصاف والحماية الاجتماعية لفائدة هذه الفئة المتضررة؟

وفي السياق نفسه، انتقدت المعارضة البرلمانية مرارا التأخر المتكرر في إصدار المراسيم ذات الصلة، ما عمّق معاناة فئة عريضة من المصابين وذوي الحقوق، الذين يعتمدون بشكل كلي على هذه الإيرادات لتلبية متطلبات الحياة اليومية.

مؤكدين أن من بين أبرز هذه النصوص المرسوم الخاص بالزيادة الثلاثية في الإيرادات، وقرار تحديد الرسوم المطبقة على شركات التأمين لتمويل الصندوق، والمقرر المرتبط بتحديد الزيادات الممنوحة للمصابين بعجز كلي.

من جهتها، رفعت الجمعية المغربية للمتضررين من حوادث الشغل والأمراض المهنية صوتها مجدداً للمطالبة بالإفراج العاجل عن المراسيم التنظيمية الخاصة، مؤكدة أن ما يربو عن 58 ألف مستفيد، أي نحو 88% من ذوي الحقوق، يعيشون أوضاعاً صعبة بسبب حرمانهم من زيادات قانونية تقررت بأثر رجعي منذ يوليوز 2013.

ووجهت الجمعية رسالتين مفتوحتين، الأولى إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، والثانية إلى أعضاء البرلمان، تطالب فيهما بالتسريع الفوري في تفعيل القانونين 18.12 و27.23، معتبرة أن التأخير غير مبرر قانوناً، ويشكل ضرباً لمبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية.

وأكدت الجمعية في مراسلاتها أن الآثار السلبية لهذا التأخير لا تقتصر فقط على الجانب المادي، بل تشمل أيضاً الجانب المعنوي، حيث يشعر الضحايا بأنهم منسيون خارج اهتمامات السياسات العمومية، وهو ما يتنافى مع الرؤية التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة بخصوص توسيع الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية وتعزيز التكافل الوطني.

كما دعت إلى فتح حوار مسؤول مع الجمعيات التمثيلية للضحايا للبحث عن آليات عملية لتفعيل المراسيم وضمان صرف المستحقات بأثر رجعي، تعويضاً عن سنوات من الانتظار والحرمان غير المبرر.

أمام هذا الوضع، يبرز تأخر الحكومة في إصدار النصوص التنظيمية كعقبة حقيقية أمام تنفيذ قوانين تمّت المصادقة عليها من أعلى سلطة تشريعية في البلاد، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى الإصلاحات التشريعية التي لا تجد طريقها إلى التطبيق.

ويبدو أن تسريع وتيرة التفعيل أصبح اليوم أولوية مستعجلة، ليس فقط من منطلق قانوني، بل أيضاً من منطلق إنساني واجتماعي يفرض على الحكومة الحالية اتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة لرد الاعتبار لهذه الفئة المنسية من ضحايا الشغل والمرض المهني.

آخر الأخبار