النيابة العامة تتحرك لحماية موظفي الدولة من الاعتداءات

في مواجهة تزايد حوادث الاعتداء والإهانة التي تطال موظفي الدولة المكلفين بإنفاذ القانون، دعت رئاسة النيابة العامة، في دورية حديثة، إلى اتخاذ مواقف صارمة تجاه هذه الأفعال، التي وصفتها بأنها تشكل "مساسًا خطيرًا بهيبة الدولة ومؤسساتها"، مشددة على ضرورة حماية هيبة الوظيفة العمومية وتعزيز الثقة في سلطة القانون.
وتعتبر الدورية أن حماية الموظفين العموميين، بمن فيهم القائمون على إنفاذ القوانين من هيئات قضائية وشرطية ورجال القوة العامة، أولوية قصوى ضمن السياسة الجنائية الوطنية، ويأتي هذا التأكيد استمرارا للمنشور رقم 1 والذي قضى بالتعامل بحزم وصرامة مع أي اعتداء أو إهانة تطال موظفي الدولة، لما لذلك من مساس بهيبة الدولة ومؤسساتها.
ووفقا للنيابة العامة فإنه بقدر الأهمية التي تكتنف أعمال الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، بالقدر الذي تطوق به التشريعات ممارستهم لمهامهم بمجموعة من الالتزامات لضمان احترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات.
ولتحقيق نوع من التوازن بين هذه الواجبات والحقوق المكفولة للقائمين على إنفاذ القانون بمناسبة قيامهم بمهامهم المسندة إليهم أو بسببها، أكدت الدورية أن المشرع المغربي حرص على إفراد مجموعة من القواعد الحمائية ذات الطبيعة الزجرية التي تطال كل من اعتدى على القائمين على إنفاذ القانون وعموم الموظفين العموميين”.
وبمقتضى المادة 7 من الظهير الشريف رقم 1.09.213 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) المتعلق بالحماية المادية لموظفي وأعوان الإدارة العمومية، يُعاقب كل من يرتكب جريمة الاعتداء على موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، أو من يدعو إلى ارتكابها، بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 درهم، ما لم يكن الفعل جريمة أشد.
وأكدت النيابة العامة أنه يحظر على الموظف العمومي أن يُفشي أسرارا مهنية اطلع عليها بسبب وظيفته، ويعاقب كل من يفعل ذلك وفقا للمادة 446 من القانون الجنائي، كما يجب على الموظف العمومي أن يمتثل لأوامر رؤسائه في حدود القانون، وأن يمتنع عن كل تصرف يُمكن أن يُشكل خرقا للقوانين والأنظمة المعمول بها، كما أن الموظف يجب أن يكون محايدًا في جميع تصرفاته، وأن يمتنع عن كل تمييز بين الأشخاص، وأن يُعامل الجميع باحترام وكرامة.
وقالت المذكرة إنه “غير خاف عليكم أن حماية الموظفين بصفة عامة بمن فيهم القائمين على إنفاذ القوانين تعد أولوية من أولويات السياسة الجنائية الوطنية وفق ما تم التأكيد عليه في المنشور رقم 1 الصادر عن هذه الرئاسة، والذي حكم على التعامل بكل حزم وصرامة مع حالات الاعتداء على الموظفين خلال ممارستهم لمهامهم أو بسببها، على اعتبار أن أي اعتداء أو إهانة تطال موظفي الدولة فهي تمس بهيبة هذه الأخيرة ومؤسساتها”.
وأضاف المصدر ذاته أنه “لإيلاء هذا الموضوع ما يستحقه من عناية، فقد حرصت هذه الرئاسة منذ شروعها في ممارسة اختصاصاتها القانونية على تتبع مدى التزام النيابات العامة ببسط الحماية الواجبة للقائمين على إنفاذ القوانين وعموم الموظفين من خلال تخصيص محور خاص بالموضوع في تقاريرها السنوية حول سير النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية، والذي يتم على مستوى تحليل المعطيات الإحصائية المسجلة بخصوص وقائع العنف والإهانة التي تطال الفئات المذكورة، حيث سجل ارتفاع مضطرد في عدد الإهانات والاعتداءات الموجهة ضد الموظفين العموميين، إذ انتقلت من 3549 سنة 2018 إلى 6888 قضية برسم سنة 2024، بزيادة 8201 شخصًا”.
وإذا كان الارتفاع المسجل في عدد أفعال العنف والإهانة الموجهة ضد الموظفين العموميين ينم عن المخاطر والصعوبات التي تواجه موظفي الدولة لا سيما القائمين منهم على إنفاذ القانون بمناسبة تأدية مهامهم، فإنها من جهة أخرى تضع على عاتق قضاة النيابة العامة واجب التفعيل الأمثل للصلاحيات الموكولة لهم عند إشعارهم بحصول هذه الاعتداءات. وفقا للدورية.
ودعت النيابة العامة إلى الحرص على مواصلة تنفيذ التعليمات السابقة الموجهة لكم في الموضوع، سواء تلك الواردة في المنشور رقم 1 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 2017، أو تلك التي تضمنتها الدورية عدد 42 الصادرة بتاريخ 15 نونبر 2021، بالإضافة إلى التصدي الحازم لمختلف مظاهر الامتناع التي تطال القائمين على إنفاذ القانون والموظفين العموميين بصفة عامة، عند ممارستهم للمهام المسندة إليهم أو بسببها، وفتح أبحاث قضائية متكاملة يتم في إطارها إنجاز جميع الإجراءات التي يتطلبها حسن تدبير البحث، عبر الاستماع للضحايا والمشتبه فيهم والشهود في حالة توفرهم وتفريغ محتوى التسجيلات الصوتية أو المرئية عند توفيق وقائع الاعتداء بأجهزة تقنية، مع الحرص على إنجاز محاضر قانونية مستوفية لجميع الشروط الشكلية المحددة في المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية.
كما دعت إلى التكييف القانوني السليم لهذه الاعتداءات، والتأكد من توفر ظروف التشديد التي حددتها الفصول القانونية المجرمة والمعاقبة، مع اتخاذ القرارات القانونية التي ترونها مناسبة تبعا لظروف كل قضية وملابساتها، كالحالة التي بشأن عليها الموقف عند إيقافه، كما لو تعلق الأمر بحالة السكر أو التخدير أو استعمال المؤثرات العقلية، ومدى استخدام السلاح أو الاستعانة به وطبيعة الاعتداء المرتكب وحجم الضرر الناتج عنه.
وبخصوص إضافة “حالة العود” إلى المتابعات المسطرة في حق المتابعين من أجل وقائع العنف والإهانة المتكررة متى ثبت لديكم قيام شروطها القانونية، أشارت الدورية إلى تقديم الملتمسات والمرافعات الشفوية أمام هيئات الحكم بالشكل الذي يبرز خطورة أفعال العنف والإهانة المرتكبة وحجم الضرر الناجم عنها، بما في ذلك التماس عرض المقاطع أو الصور الملتقطة في حالة توثيق الاعتداءات المذكورة.
وأبرزت الوثيقة أن “ممارسة طرق الطعن القانونية في حالة عدم تناسب العقوبات المحكوم بها مع خطورة الجرائم المرتكبة، وصياغة تقارير استئنافية أو مذكرات للنقض بشكل دقيق يبرز بجلاء العناصر التي تتيح إعادة النظر في مضامين الأحكام أو القرارات المطعون فيها”.
كما أكدت الدورية على أن “الإشعار الفوري لرئاسة النيابة العامة بجميع الاعتداءات الخطيرة التي تطال الموظفين العموميين أو التي تستأثر باهتمام الرأي العام، سواء التي بلغت إلى علمكم من خلال المحاضر والتقارير المحالة عليكم أو من خلال ما يرتبونه شفويا على صعيد النطاق الترابي لدوائركم القضائية”.