هل تنجح أنقرة والرباط في إعادة رسم معالم الشراكة؟

رغم مرور ما يقرب من عقدين على توقيع اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، لا تزال العلاقات التجارية بين البلدين تواجه تحديات مزمنة، كشفت عن اختلالات متكررة، دفعت الرباط أكثر من مرة إلى مراجعة بنود الاتفاقية وطلب إعادة التوازن في الميزان التجاري.
ومنذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سنة 2006، تزايدت واردات المغرب من المنتجات التركية بشكل كبير، مما أثار انتقادات من فاعلين اقتصاديين مغاربة تحدثوا عن إغراق السوق بمنتجات تنافس الصناعة المحلية، خصوصا في قطاع النسيج والملابس.
وتزايدت هذه التحفظات لتصل إلى أروقة البرلمان المغربي، حيث طالب عدد من النواب الحكومة بإعادة النظر في شروط الاتفاق، معتبرين أن الكفة تميل بوضوح لصالح تركيا، في الوقت الذي اتهم آخرون اللوبي الفرنسي وأرباب المصانع المغربية بالوقوف في طريق عرقلة تطوير العلاقات التجارية بين تركيا والمغرب بالنظر لقوة تنافسية المنتوج التركي بالمغرب من حيث الجودة والاسعار.
عوائق هيكلية
وظلت أبرز المشاكل التي اشتكى منها بعض الفاعلين التجاريين والاقتصاديين المغاربة في العلاقات التجارية بين البلدين هي "الاختلال" في الميزان التجاري، عندما ادعوا أنه يميل بشكل واضح لصالح أنقرة، مع ما يرافق ذلك من صعوبات تواجه المصدرين المغاربة في النفاذ إلى السوق التركية بسبب الحواجز غير الجمركية، والمعايير الصارمة المفروضة على بعض المنتجات، خاصة الزراعية منها.
كما اشتكى عدد من المصنعين المحليين في المغرب من منافسة غير متكافئة من نظيرهم التركي، نتيجة فروقات في كلفة الإنتاج والدعم الصناعي المقدم من الحكومة التركية، ما تسبب في إغلاق بعض الوحدات الإنتاجية المغربية أو تقليص نشاطها.
محاولة لرأب الصدع
في هذا السياق، عقدت الدورة السادسة للجنة تتبع تنفيذ اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، الاثنين بالعاصمة التركية أنقرة، حيث اتفق الجانبان على حزمة من التدابير لمعالجة العوائق وتجاوز نقاط الخلل، في أفق رفع حجم المبادلات التجارية إلى ما يفوق 5 مليارات دولار.
وترأس الاجتماع كل من عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، ومصطفى توزكو، نائب وزير التجارة التركي، مؤكدين على اعتماد نهج جديد يقوم على قاعدة "رابح-رابح"، يضمن مصالح الطرفين بشكل متوازن.
خط اتصال مباشر
وأبرز مخرجات اللقاء تمثلت في إحداث خط اتصال مباشر بين الوزارتين المكلفتين بالتجارة الخارجية، بهدف تسوية الإشكالات التي تعيق التبادل التجاري بشكل فوري، وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار.
كما تم الاتفاق على تنظيم منتدى الأعمال والاستثمار المغربي التركي في أجل لا يتعدى سنة واحدة، إلى جانب لقاءات قطاعية مباشرة بين رجال الأعمال (B2B)، لتشجيع الشراكات في مجالات محددة، أبرزها الصناعات التحويلية.
إنتاج مشترك
وفي خطوة لردم فجوة الميزان التجاري، طلب المغرب توسيع نطاق ولوج منتجاته الزراعية إلى السوق التركية، مع تعزيز التعاون في سلاسل توريد النسيج عبر الإنتاج المشترك، بما يتيح للبلدين النفاذ إلى أسواق ثالثة.
وأكد البلاغ المشترك على أهمية تطوير العلاقات في مجالات المقاولات والخدمات الاستشارية والبنية التحتية، استعدادا للتظاهرات الكبرى التي ستنظمها المملكة خلال السنوات المقبلة.
شراكة استراتيجية؟
وبينما أعادت هذه الدورة التذكير بأهمية اتفاقية التبادل الحر التي وقعت عام 2004 ودخلت حيز التنفيذ بداية 2006، شدد الطرفان على أن المرحلة المقبلة تستدعي تحقيق قفزة نوعية في الشراكة الاقتصادية، قائمة على المنفعة المتبادلة والتواصل الفعال.