الجواهري يكشف خطة لكبح الكاش وتحرير البنوك من الديون

في خطوة تعكس حرصه على تحديث المنظومة النقدية وتعزيز استقرار القطاع المالي، أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن المؤسسة أنهت إعداد تصور متكامل يرمي إلى تقليص حجم المعاملات النقدية "بالكاش" داخل الاقتصاد الوطني، وهو التصور الذي تم توزيعه على مختلف الأطراف المتدخلة لدراسته وإبداء الملاحظات بشأنه.
وأوضح الجواهري، الذي كان يتحدث خلال ندوة صحافية أعقبت الاجتماع الفصلي الثاني لمجلس بنك المغرب المنعقد يوم أمس بالرباط، أن النسخة الأولية من التصور وُضعت أيضًا رهن إشارة أعضاء المجلس المركزي للبنك المركزي من أجل التداول بشأن مضامينها، في أفق الوصول إلى صيغة نهائية مع نهاية شهر يونيو الجاري، قبل الدخول في فترة العطلة الصيفية.
ويتضمن التصور مقترحات عملية تتقدمها الدعوة إلى تعميم المعاملات الرقمية وتعزيز الاستخدام المكثف للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، بما يشمل تنفيذ عمليات الدفع والتحويلات اليومية، في إطار توجه استراتيجي نحو “الموبايل البنكي”، حسب ما أكده الجواهري.
وشدد المتحدث ذاته، على أن الانتقال الرقمي في المعاملات المالية لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها التحديات المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل والسيولة النقدية المتداولة خارج الإطار البنكي المنظم.
وفي هذا السياق، عبّر والي بنك المغرب عن تفاؤله بإمكانية تحقيق اختراق نوعي في معالجة ظاهرة "الكاش"، معتبرًا أن التجارب الدولية أثبتت قابلية النجاح في هذا الورش، حتى في البلدان التي تشهد بدورها حضورًا لافتًا للاقتصاد غير المهيكل.
مؤكّدًا أن الإرادة المشتركة بين الأطراف الحكومية والمالية هي المفتاح الأساسي لأي تقدم في هذا الملف.
وفي تطور موازٍ يعكس مسعى البنك المركزي نحو إصلاح السوق المالية وتعزيز مرونتها، أعلن الجواهري عن ترخيص بنك المغرب لأول عملية توريق للديون المتعثرة، نفذها أحد البنوك المغربية، في سابقة من نوعها تروم معالجة إشكالية الديون غير القابلة للتحصيل وتحرير البنوك من عبئها.
وأكد الجواهري أن عملية توريق ثانية تخضع حاليًا للدراسة، ما يشير إلى توجه استراتيجي نحو تفعيل هذه الآلية على نطاق أوسع.
وتُعد عملية التوريق، أو التسنيد، أداة مالية تقوم على تحويل الديون إلى أوراق مالية قابلة للتداول، وهو ما يسمح للبنوك بنقل جزء من المخاطر إلى السوق وتحسين سيولتها، من خلال التنازل عن الديون غير المؤداة لفائدة المستثمرين.
واعتبر والي بنك المغرب أن نجاح هذه الآلية يستلزم رفع بعض القيود الجبائية التي لا تزال قائمة، مشددًا على أن الجانب الضريبي يشكّل عائقًا ينبغي تجاوزه لضمان نجاعة واستدامة السوق.
وفي ما يتعلق بالمؤشرات الحديثة للقطاع المالي، كشف تقرير بنك المغرب حول السياسة النقدية، الصادر عقب الاجتماع الفصلي، عن تسجيل ارتفاع في الديون المتعثرة بنسبة 4,5 في المائة إلى غاية أبريل 2025، لتبلغ نسبتها من إجمالي القروض البنكية حوالي 8,7 في المائة.
ويفصل التقرير في تطور هذه الديون، موضحًا أنها ارتفعت بنسبة 6,5 في المائة لدى الأسر، مقابل 2,7 في المائة لدى الشركات غير المالية الخاصة، مع نسب مقلقة بلغت 10,7 في المائة و13,2 في المائة على التوالي.
كما رصد البنك نموًا في وتيرة القروض الممنوحة من قبل الشركات المالية غير البنكية خلال الفصل الأول من السنة الجارية بنسبة 7,7 في المائة، موزعة بين ارتفاع بنسبة 8,2 في المائة لدى شركات التمويل، و6,5 في المائة لدى جمعيات القروض الصغرى، في وقت سجلت فيه القروض الممنوحة من قبل البنوك الخارجية تراجعًا بنسبة 3,4 في المائة.
وتعكس هذه المؤشرات، في مجملها، توجهًا نحو إعادة هيكلة المشهد المالي، عبر تفعيل أدوات مبتكرة كالتحول الرقمي والتوريق، مع السعي نحو تأطير أكثر صرامة للديون المتعثرة وتحسين البيئة الجبائية والتشريعية المرتبطة بالتمويل البنكي وغير البنكي، في أفق إرساء منظومة مالية أكثر مرونة وشمولية واستدامة.