نقص 600 دواء حيوي بالصيدليات يهدد الحق في العلاج ويقلق المهنيين

الكاتب : انس شريد

25 يونيو 2025 - 09:30
الخط :

تعيش المنظومة الصحية في المغرب على وقع أزمة مقلقة تتعلق بنقص حاد في الأدوية الأساسية والحيوية، خصوصًا تلك الموجهة لعلاج الأمراض المزمنة. فقد أصبح انقطاع هذه الأدوية واقعًا يوميًا في العديد من الصيدليات والمستشفيات، مما زاد من معاناة المرضى وأثار موجة من الجدل والغضب في الأوساط الصحية والحقوقية.

يتنقل المرضى، خاصة من المصابين بداء السكري والضغط الدموي وأمراض القلب والأعصاب والسرطان، بين الصيدليات في مختلف المدن بحثًا عن أدوية لم تعد متوفرة بالقدر الكافي، في مشهد يعكس هشاشة حقيقية في الأمن الدوائي الوطني.

وفي الوقت ذاته، يجد الأطباء والممرضون أنفسهم في مواجهة تحدٍّ يومي داخل المستشفيات، حيث يعجزون عن توفير العلاجات اللازمة في الوقت المناسب، رغم حالات الطوارئ المتكررة التي تستدعي تدخلات طبية عاجلة.

وتتعدد الأسباب المعلنة وراء انقطاع الأدوية الحيوية والمزمنة، إذ يُعزى الأمر في جانب منه إلى ضعف الإنتاج المحلي وتراجع توريد المواد الأولية التي تعتمد عليها الصناعة الدوائية المغربية.

غير أن فاعلين في القطاع الصيدلي يرون أن المشكل أعمق من ذلك بكثير، ويكمن في خلل بنيوي على مستوى السياسات العمومية المرتبطة بالتخطيط والتدبير والرقابة، وهو ما يستدعي، وفق تعبيرهم، تدخلًا حكوميًا عاجلًا وبقرارات جريئة تتجاوز الحلول الظرفية إلى معالجة استراتيجية مستدامة.

هذه الأزمة أفرزت كذلك ردود فعل من داخل المؤسسة التشريعية، حيث طالب عدد من نواب البرلمان بالكشف عن التدابير العملية التي تعتزم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية اتخاذها لتجاوز هذا الوضع الخطير.

وأكد النواب مرارا على ضرورة التحرك العاجل لتوفير الأدوية المفقودة وضمان استمرار سلاسل التوزيع، خاصة في ما يتعلق بالأدوية التي لا تقبل التأجيل أو التعويض، لما لها من تأثير مباشر على حياة المرضى.

من جهتها، عبّرت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك عن قلقها البالغ إزاء استمرار انقطاع أكثر من 600 دواء حيوي وأساسي، معتبرة أن هذا الرقم يعكس حجم الأزمة وحدتها، كما يطرح تساؤلات عميقة حول مدى جاهزية النظام الدوائي الوطني في التعامل مع الأزمات.

وأكدت الجامعة، في بلاغ لها، أنها تلقت من خلال شبابيك المستهلك التابعة لها عددًا كبيرًا من الشكاوى التي توثق معاناة يومية للمرضى الذين يواجهون نقصًا فادحًا في الأدوية المنقذة للحياة.

وألقت الجامعة بالمسؤولية المباشرة على السلطات الصحية، وعلى رأسها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مؤكدة أن هذا الخلل يمثل تهديدًا واضحًا للحق الدستوري في العلاج، ويبرز ضعفًا بنيويًا في التخطيط الصحي الوطني.

كما طالبت بفتح تحقيق عاجل وشامل في أسباب هذا الانقطاع، ومساءلة كافة المتدخلين في سلسلة التوزيع، من مستوردين وموزعين وصيادلة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حال ثبوت التلاعب أو الاحتكار.

ودعت الجامعة إلى تفعيل نظام يقظة دوائية فعّال، يسمح بالتبليغ الفوري عن أي نقص محتمل في الأدوية أو انقطاع مفاجئ، ويوفر بدائل علاجية آمنة وبالكمية المطلوبة.

كما وجهت نداءً واضحًا إلى الشركات المصنعة والمستوردة بضرورة التحلي بالمسؤولية الأخلاقية في هذه المرحلة الدقيقة، وعدم استغلال الأزمة لأغراض تجارية أو ممارسات احتكارية تهدد الأمن الصحي للمواطنين.

وبهدف منع تكرار هذا السيناريو مستقبلاً، طالبت الجامعة بإحداث مخزون استراتيجي وطني من الأدوية الأساسية، يتم تدبيره وفق معايير الشفافية والجاهزية، بما يضمن التدخل السريع في أوقات الأزمات والظروف الاستثنائية.

كما ناشدت المستهلكين بمواصلة التبليغ عن أي حالات انقطاع للأدوية، سواء لدى الجهات الرسمية أو عبر قنوات جمعيات حماية المستهلك، تأكيدًا على أن الحق في الصحة يجب أن يظل من أولويات السياسات العمومية، وألا يُترك رهين تقلبات السوق أو اختلالات التدبير.

في ظل هذه الأزمة المتفاقمة، يظل الرهان الحقيقي هو الانتقال من منطق التسيير اليومي للأزمات إلى تبني رؤية صحية وطنية متكاملة، تجعل من الأمن الدوائي أولوية قصوى، وتُعلي من قيمة الاستباق والتخطيط العلمي، في سبيل حماية حق المغاربة في العلاج والحياة الكريمة.

آخر الأخبار