"وينرز" يحولون واشنطن إلى كازابلانكا مصغرة

لم يكن ملعب "أودي فيلد" في واشنطن مجرد فضاء كروي احتضن مباراة في دور مجموعات كأس العالم للأندية، بل تحول إلى مسرح حضاري نابض بالروح المغربية، قاده جمهور نادي الوداد الرياضي في ملحمة تشجيعية تجاوزت الحدود.
من نيويورك إلى فيلادلفيا وصولا إلى واشنطن، رسم أنصار الوداد لوحات فنية تفيض بحب الوطن والوفاء للنادي الأحمر، وخلفوا وراءهم انطباعا قويا لدى الشرطة الأمريكية، والمسؤولين المحليين، وحتى الإعلام العالمي، الذي أجمع على أن "الوداديين" كانوا الأجمل فنيا، والأكثر تنظيما، والأبلغ حضورا ورسالة.
"WAC DAY"..
وفي واحدة من المفاجآت الرمزية الكبيرة، أعلنت محافظة كولومبيا عن تخصيص يوم 8 ماي من كل سنة كـ "WAC DAY"، تكريما لنادي الوداد وتاريخه الممتد منذ 1937، وهو اعتراف غير مسبوق في تاريخ الأندية المغربية والعربية.
هكذا تحول اسم "وداد الأمة" إلى عنوان فخر دولي، ليس فقط بفضل تاريخه الكروي، بل بفضل جمهوره الذي اختار أن يجعل من كرة القدم جسرا للتلاقي الحضاري، لا ساحة صراع.
من كل الجهات
لم يكن جمهور الوداد مجرد مشجعين قدموا من الدار البيضاء، بل كانوا جالية وطنية مصغرة، مغاربة من أمريكا، وأوروبا، والخليج، وحتى آسيا، اجتمعوا على عشق الأحمر والأبيض، رافعين العلم المغربي في شوارع أمريكا، منشدين أهازيجهم التي نقلت معهم رائحة الوطن ونبضه.
وبينما كانت منصات الإعلام العالمية تسلط الضوء على النتائج والمباريات، تحولت عدسات أخرى إلى الجماهير المغربية، التي أثبتت مجددا أنها الرقم الصعب في كل تظاهرة كروية.
الإبهار بالأهازيج..
المواكب الجماهيرية التي قادتها "الوينرز" ورفاقهم، أثارت إعجاب حسابات أمريكية وأوروبية، مثل "Men in Blazers" الذي وصف أجواء فيلادلفيا بـ"الصاخبة والمبهرجة بشكل رائع". مواقع مثل "فوت ميركاتو" اعتبرت أن غياب الجمهور عن المدرجات الرسمية لا يعني غياب التأثير، فالمغاربة، كما علق أحدهم، "يحضرون حين يحين وقت الإبداع".
الشرطة الأمريكية، بدورها، عبرت عن اندهاشها من التنظيم والانضباط، ومن كون هذه الجموع الكبيرة استطاعت أن تبث الحماسة دون أن تخل بالأمن العام، في مشهد قل نظيره.
قوة ناعمة
رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، فوزي لقجع، التقط هذه الرسائل بعين المتابع من بعيد، وصرح في لقاء إعلامي بأن ما فعله جمهور الوداد في أمريكا ليس مجرد تشجيع، بل "ملحمة حضارية" تعكس التعلق الشعبي الحقيقي بكرة القدم، وتؤكد أن المغرب قادر على التتويج بالكأس القارية بدعم هذا الجمهور الاستثنائي.
ويكفي أن نذكر بما أحدثه جمهور الرجاء قبل أكثر من عقد في مونديال الأندية 2013 بالمغرب، لنفهم أن الجماهير المغربية تتوارث هذا الحماس جيلا بعد جيل، وتوظفه في بناء صورة إيجابية عن بلدها في الخارج.
الجمهور سفير
أغلب وسائل الإعلام التي تابعت مباريات الوداد في أمريكا، فتحت صفحاتها للحديث عن "وداد كازابلانكا"، عن "المغرب"، وعن "الدار البيضاء"، بنفس الانبهار الذي تابع به العالم مسيرة الأسود في مونديال قطر 2022، حين أصبح العلم المغربي من أكثر الأعلام تداولًا في شوارع الدوحة والعالم.
إن ما فعله جمهور الوداد في أمريكا يؤكد أن التشجيع الكروي لا ينحصر في الهتاف والغناء، بل هو رسالة متكاملة تعكس صورة بلد بأكمله، وتفتح له أبواب السياحة والتعاطف والاهتمام، وهو ما تعجز عنه في كثير من الأحيان الحملات الترويجية الرسمية.
الصور التي تناقلتها وساءل الاعلام وصفحات الفيسبوك أكدت أن جمهور الــ "WAC" دوخ الخصوم وصنع الفرق.. جمهور الوداد لا يعرف فقط بناديه، بل يعرف بالمغرب، وبثقافته، وبأصالته، وبوجهه الحضاري.
وأثبت الجمهور الأحمر أن كرة القدم ليست فقط لعبة، بل دبلوماسية ناعمة، وسفارة متنقلة، وصوت شعب يعلو بالعالمية حين يمنح المساحة.