هل يفجر سوق الجملة بالبيضاء أزمة جديدة في تدبير المرافق العمومية؟

يعيش سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء على وقع احتقان غير مسبوق، في ظل تصاعد شكاوى المهنيين والتجار والعمال من تدهور الأوضاع داخل هذا المرفق الحيوي الذي يعتبر الأكبر من نوعه على مستوى المملكة وإفريقيا.
ووجه المكتب المحلي لتجار ومهنيي وعمال السوق، المنضوي تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، رسالة رسمية إلى عامل عمالة مقاطعات مولاي رشيد، طالب فيها بفتح تحقيق مستعجل بشأن ما اعتبره "سوء تدبير" من طرف شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للخدمات"، المسؤولة عن صيانة وتدبير مرافق السوق، وفي مقدمتها القاعة المغطاة.
وتُظهر الرسالة النقابية حجم التدهور البنيوي الذي تعرفه القاعة المغطاة، حيث تم التحذير من وضع خطير يهدد السلامة الجسدية للمرتفقين والمهنيين والعاملين داخل السوق.
ووفق المصدر ذاته، فإن الشركة المفوضة لم تُنفذ منذ سنة 2016 أي برنامج صيانة حقيقي يرقى إلى حجم الميزانيات المرصودة من طرف جماعة الدار البيضاء، والتي خُصص لها غلاف مالي فاق 30 مليون درهم في إطار اتفاقية الشراكة المبرمة لإعادة تأهيل السوق.
ورغم أن الأشغال انطلقت رسميا سنة 2016، وتم الإعلان عن انتهائها في 2019، إلا أن شكاوى المهنيين تتحدث عن غياب أي أثر ملموس لهذه الاستثمارات على أرض الواقع.
كما صادقت جماعة الدار البيضاء في وقت لاحق على ملحقين تعديليين للاتفاقية في دورتي أكتوبر سنتي 2020 و2022، ما اعتبره المكتب النقابي استمرارًا غير مبرر للثقة في شركة لم تُثبت، حسب وصفهم، أي فعالية في تدبير هذا المرفق الذي يستقطب يوميا آلاف الزوار والمستخدمين.
وتحدثت الشكاية عن تدهور واضح في البنية الحديدية والخرسانية للقاعة المغطاة، مع توثيق ما سمّته بـ"الحلول الترقيعية" التي لجأت إليها الإدارة، مثل تثبيت حواجز حديدية وترقيع البلاستيك، دون معالجة جذرية لتآكل المنشآت أو استقرارها الهندسي، الأمر الذي ينذر بحدوث كارثة، بحسب تعبير النقابة.
في السياق ذاته، نبهت المراسلة إلى فوضى في استغلال الفضاءات الداخلية للسوق، حيث تحوّلت ساحاته إلى تجمعات عشوائية من الأكشاك والخيام البلاستيكية التي لا تحترم التنظيم أو السلامة، ما يؤثر سلبًا على سير العمليات التجارية ويشوّه صورة السوق كمعلمة اقتصادية وطنية.
وطالبت الفيدرالية الديمقراطية للشغل بفتح تحقيق ميداني مستقل يشمل تقييمًا تقنيًا شاملاً تنجزه جهة محايدة، مع محاسبة كافة الأطراف المتورطة في ما اعتبرته "إهمالاً ممنهجًا" لمرفق حيوي يدر مداخيل مهمة ويُعد شريانًا اقتصاديًا أساسيا للمنطقة.
كما دعت إلى وقف أعمال الترميم السطحي وتعويضها بمخطط صيانة شامل يستند إلى دراسات هندسية دقيقة، إلى جانب إعادة هيكلة الفضاء الداخلي للسوق بما يضمن بيئة آمنة ومنظمة.
ومن أجل الضغط على الجهات المسؤولة، حرص المكتب النقابي على توجيه نسخ من الرسالة إلى رئيسة مجلس جماعة الدار البيضاء، وإلى والي جهة الدار البيضاء-سطات، تعبيرًا عن جدية التوجه النقابي نحو التصعيد ما لم تُتخذ إجراءات ملموسة في أقرب الآجال.
وسبق أن شهد السوق احتجاجات قوية خلال الشهور الماضية، رفع خلالها المهنيون شعارات منددة بـ"سوء التسيير وهدر المال العام"، مع التلويح بخطوات تصعيدية ما لم يتم الاستجابة لمطالبهم.
وزاد من حدة التوتر قرارات تفويت بعض المرافق داخل السوق لفائدة جهات بعينها، وهو ما أثار جدلاً واسعًا بشأن مدى احترام مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية في تدبير هذا المرفق العمومي.
وفي ظل تفاقم الأوضاع، تبرز مطالب مستعجلة لتدخل عاجل من طرف السلطات الترابية، وعلى رأسها والي جهة الدار البيضاء-سطات، من أجل فرض الانضباط في تدبير هذا السوق الاستراتيجي، وإنهاء مظاهر الفوضى والارتجال، وضمان بيئة آمنة تحفظ كرامة المهنيين وتُعيد الاعتبار لأكبر نقطة لتوزيع الخضر والفواكه بالمملكة.