نزيف الهدر المدرسي يُحرك وزارة برادة.. ومشروع قانون جديد يثير تساؤلات البرلمان

الكاتب : انس شريد

28 يونيو 2025 - 07:30
الخط :

تواجه المنظومة التعليمية المغربية تحديًا متفاقمًا يتمثل في ارتفاع معدلات الانقطاع عن الدراسة، وهو ما بات يشكّل نزيفًا صامتًا داخل المدرسة العمومية، ويهدد آلاف التلاميذ، خصوصًا في المناطق القروية والهامشية، بفقدان فرص التعليم والتأهيل والاندماج.

هذه الأزمة، التي تتعدد أسبابها بين الهشاشة الاجتماعية، وضعف البنية المدرسية، وصعوبات التعلم، دفعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى طرح مشروع قانون جديد، يسعى إلى إعادة تنظيم التعليم المدرسي من خلال مقاربة شمولية ترتكز أساسًا على إعادة إدماج المنقطعين وإحداث تعليم استدراكي يمنحهم فرصة ثانية.

ويندرج مشروع القانون رقم 59.21، الذي قدمته الوزارة مؤخرا أمام لجنة التعليم بمجلس النواب، ضمن رؤية إصلاحية واسعة تهدف إلى تطويق ظاهرة الهدر المدرسي والحد من انعكاساتها المجتمعية.

وينص المشروع على اعتبار التعليم المدرسي إلزاميًا للأطفال، إناثًا وذكورًا، من سن أربع سنوات إلى ست عشرة سنة، دون تمييز، مع إحداث آليات قانونية وإدارية لرصد الأطفال غير المتمدرسين والمنقطعين، وإدماجهم ضمن المسارات التعليمية الرسمية أو التكوين المهني أو التعليم الاستدراكي.

من بين أبرز المقتضيات التي جاء بها المشروع، التنصيص على إحداث لجان للتنسيق على مستوى كل عمالة أو إقليم، تُعنى بتتبع وضعيات الأطفال خارج المنظومة التعليمية، وضمان إدماجهم في أقرب الآجال، في أفق إرساء مدرسة دامجة لا تترك أحدًا خلفها. كما يركز النص القانوني على إحداث نظام للرصد المبكر للتلاميذ المهددين بالانقطاع، بمن فيهم الذين يعانون من صعوبات نفسية أو صحية أو تعليمية، وذلك في إطار مقاربة وقائية تراهن على التدخل في الوقت المناسب.

وفي بعد اجتماعي لافت، يتطرق المشروع إلى معالجة النزاعات الأسرية التي قد تؤثر على استمرارية تمدرس الطفل، من خلال منح الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية صلاحيات للتدخل بتنسيق مع السلطات المختصة، مع احترام مدونة الأسرة والقوانين الوطنية ذات الصلة، في سابقة تشريعية تربط التعليم بالتماسك الأسري وتحمي مصلحة المتعلم في بيئة متوازنة.

ويخضع هذا التعليم الاستدراكي لنفس شروط المراقبة البيداغوجية والإدارية المعتمدة في باقي أنماط التعليم، في تأكيد على مكانته داخل المنظومة، ليس كخيار ثانوي، بل كحل استراتيجي يُسهم في معالجة الفاقد التعليمي، وتأهيل التلاميذ المنقطعين من جديد للاندماج في سوق الشغل أو استكمال مسارهم الدراسي.

ويتوسع المشروع ليشمل التعليم ما بعد البكالوريا، من خلال الأقسام التحضيرية للمدارس العليا، وأقسام شهادة التقني العالي، ما يعكس حرص الوزارة على خلق ممرات متصلة بين المسارات الدراسية، وتوفير مسالك مرنة تراعي تنوع الحاجيات والتطلعات.

في سياق التفاعل البرلماني مع المشروع، وجّه النائب محمد الشوكي عن حزب التجمع الوطني للأحرار سؤالا شفهيا إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي، حول المرتكزات العملية لهذا التوجه، والإمكانات البشرية والمالية المرصودة لتنزيله.

كما تساءل النائب البرلماني علال العمروي عن الفريق الاستقلالي حول جدوى الفرصة الثانية التي يتيحها المشروع، ومدى نجاحها في إنقاذ التلاميذ المنقطعين من دائرة التهميش.

وتؤكد الوزارة، من جانبها، أن مواجهة الانقطاع المدرسي لم تعد مسألة تقنية محضة، بل قضية تنموية ومجتمعية، تتطلب انخراطًا شاملاً من كل المتدخلين، على رأسهم الأسر، والمؤسسات العمومية، والمجتمع المدني. وتعتبر أن التعليم الاستدراكي، إلى جانب التعليم النظامي، يشكلان رافعتين أساسيتين لإعمال مبدأ "التعليم للجميع"، ولتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية، من خلال منح التلاميذ المنقطعين فرصة جديدة للنجاح والاندماج.

ويراهن مشروع هذا القانون على إرساء منظومة تعليمية دامجة، تراعي الفوارق، وتتصدى للهدر، وتمنح لكل طفل الحق الكامل في التعلم والنمو في بيئة داعمة.

آخر الأخبار