بعد 14 سنة على إقراره.. خبراء يدقون أبواب الإصلاح الدستوري في المغرب

الكاتب : انس شريد

28 يونيو 2025 - 10:00
الخط :

في سياق التحضيرات للمؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نظم الحزب لقاءً سياسياً مفتوحاً بالعاصمة الرباط، جمع نخبة من الباحثين والأساتذة الجامعيين والمفكرين، بهدف تقييم حصيلة دستور 2011 بعد أربعة عشر عاماً من دخوله حيز التنفيذ، وفتح النقاش حول آفاق الإصلاح الدستوري في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب.

اللقاء الذي دعت إليه اللجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لم يكن مناسبة حزبية داخلية فقط، بل منصة وطنية للنقاش الأكاديمي المفتوح، انطلقت من قناعة بضرورة تجديد الفعل السياسي على أسس معرفية صلبة، وبناء وثيقة سياسية حزبية تتجاوز التقليد وتستشرف المستقبل.

وخلال مداخلته، دعا الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي محمد منار اسليمي إلى قراءة الدستور قراءة مركبة، تتجاوز النصوص إلى فهم السياقات التي أُنتجت فيها الوثيقة، مشيراً إلى أن دستور 2011 لا يمكن عزله عن الديناميات الإقليمية والدولية التي كانت سائدة لحظة إقراره، ولا عن الثقافة السياسية للنخبة التي تفاعلت معه لاحقاً.

وشدد على أن معنى النص الدستوري يتغير بمرور الزمن وبفعل الممارسة، مؤكداً أن المغرب لا يعيش في عزلة عن العالم، وأن التحولات الجارية في النظام الدولي تلقي بظلالها على المفاهيم الدستورية وعلى أداء المؤسسات.

واعتبر اسليمي أن مرحلة ما بعد إقرار الدستور لم تشهد نقاشاً عميقاً بشأن القوانين التنظيمية المؤطرة له، مضيفاً أن الحديث عن تعديل الدستور آنذاك، في أوج السياق الاحتجاجي، كان من شأنه أن يفتح الباب أمام مراجعة أشمل قد تطال جوهر الوثيقة.

كما توقف عند ما وصفه بالجمود الذي ساد أداء القضاء الدستوري في بعض المحطات، معتبراً أن المؤسسة الدستورية لم تنتج اجتهادات نوعية قادرة على توسيع دائرة التأويل وترسيخ استقلاليتها.

واستشهد بتجربة القانون التنظيمي للإضراب، التي قال إنها اتسمت باستخدام "لغة أدبية" من طرف المحكمة الدستورية، أقرب إلى التجميل منها إلى التأسيس القانوني الصارم.

بدوره، أكد عبد الله ساعف، مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، أن تفعيل دستور 2011 عرف تموجات كبرى، وأن السياق السياسي الراهن يستدعي التفكير في موجة إصلاحات جديدة تركز على تفعيل الملكية البرلمانية، وترسيخ استقلال القضاء، وتوسيع فضاء الحقوق والحريات.

واعتبر أن مسار الدمقرطة في المغرب بلغ درجة من النضج تسمح بطرح أسئلة جوهرية حول أداء المؤسسات، ومدى التوازن بين السلط، خاصة في ظل التداخل المتزايد بين السلطتين السياسية والاقتصادية.

وأضاف أن التطور الديمقراطي لا يمر بالضرورة عبر تغيير النص الدستوري، بل قد يكون رهيناً بتطوير آليات الاشتغال داخل المؤسسات، وبضمان تأويل ديمقراطي للمقتضيات القائمة.

كما شدد على أن الفارق الزمني بين دساتير المملكة لم يكن ثابتاً، حيث تراوحت الفترات الفاصلة بين المحطات الدستورية الكبرى بين عشرة وعشرين عاماً، مما يجعل من دستور 2011 مرشحاً اليوم لتقييم نقدي صارم، سواء من حيث التطبيق أو من حيث مستوى التفاعل السياسي معه.

ورأى ساعف أن الإشكاليات المطروحة اليوم تجاوزت النصوص إلى مستوى الممارسة الفعلية، مؤكداً أن زمن الفعل السياسي المنغلق قد ولى، وأن الحاجة باتت ملحة إلى تشكيل جبهة مجتمعية عريضة تنفتح على مختلف الفاعلين، من جمعيات، ومثقفين، ونخب جديدة، من أجل إعادة بناء التعاقد السياسي في البلاد على أسس أكثر شمولية.

وعرفت أشغال اللقاء مشاركة عدد من المفكرين والباحثين الذين انكبوا على مناقشة محاور متعددة، شملت الإصلاحات الدستورية، والبناء الديمقراطي، والإصلاحات السياسية، والانتخابات، وحقوق الإنسان، والدولة الاجتماعية، والجهوية المتقدمة.

واعتبرت اللجنة السياسية أن هذا اللقاء يمثل لحظة تأسيسية ضمن الدينامية التنظيمية التي يقودها الحزب، من أجل صياغة وثيقة سياسية جديدة بمرجعية تقدمية حديثة، تُعرض لاحقاً على هيئات الحزب للمصادقة والإغناء، في أفق تجديد المشروع السياسي بما يستجيب لتحولات المجتمع المغربي وتطلعاته.

كما أكد عبد الرحيم شهيد، رئيس اللجنة السياسية، أن النقاش المفتوح مع النخب الفكرية والأكاديمية ليس ترفاً تنظيمياً، بل اختيار استراتيجي لإعادة صوغ التصورات السياسية للحزب، على ضوء تقييم شامل لتجربة دستور 2011، ومدى تحقق مقتضياته على أرض الواقع.

ولفت إلى أن هناك هوة بين ما نص عليه الدستور من مقتضيات، وبين ما تحقق فعلياً على مستوى المؤسسات، معتبراً أن الحكومات الثلاث التي تعاقبت منذ 2011 شكلت نماذج سياسية يمكن الاستناد إليها لتقييم مدى تحقق التأويل الديمقراطي للوثيقة.

وأكد شهيد أن المحطة الحالية هي لحظة تقييم عميق، وأن الوثيقة السياسية التي ستعرض على المؤتمر الوطني المقبل ستعكس، بحسب تعبيره، هذا الوعي الجماعي بضرورة التجديد والتطوير والانفتاح على فاعلين من خارج التنظيم الحزبي التقليدي، انسجاماً مع حاجة المجتمع المغربي إلى فاعلين سياسيين يمتلكون رؤى واضحة ومتماسكة.

وفي ختام هذا المحور، أعاد منار السليمي التأكيد على أن الاتحاد الاشتراكي كان في صلب معارك الإصلاح السياسي والدستوري منذ عقود، مشيراً إلى أن الحاجة اليوم ليست إلى تقويض الثوابت، وإنما إلى تفعيل الاختيار الديمقراطي باعتباره أحد الأعمدة التي أدرجها دستور 2011 ضمن الثوابت الدستورية، وهو ما يستدعي، وفق رأيه، نقاشاً مؤسساتياً معمقاً حول سبل تنزيل هذا الاختيار وترسيخه في الممارسة السياسية.

آخر الأخبار