الذكاء الاصطناعي في المغرب.. ملامح مرحلة جديدة

تتجه الحكومة بخطى حذرة نحو جعل الذكاء الاصطناعي أمرا طبيعيا في حياة المغاربة.
خطى الحكومة تمر عبر خطة متعددة الأبعاد تنطلق من تأهيل الكفاءات وتطوير البنية التحتية الرقمية، وصولا إلى جذب الاستثمارات الضخمة القادرة على تمويل القدرات الحاسوبية المطلوبة لمواكبة الثورة الرقمية العالمية.
هذا ما أكدت عليه أمل الفلاح السغروشني، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خلال اللقاء التحضيري للمناظرة الوطنية حول الذكاء الاصطناعي.
وشددت الحكومة على أن المغرب أمام لحظة مفصلية تتطلب "إرادة استراتيجية حقيقية" للانتقال من خانة المستهلك إلى خانة المنتج في المجال الرقمي.
القاطرة الأولى
في قلب هذا المشروع الطموح، تضع الحكومة الاستثمار في الإنسان كأولوية قصوى. الوزيرة وصفت الذكاء الاصطناعي بأنه "مجال دقيق ومعقد للغاية"، لا يمكن الانخراط فيه دون توفير باحثين ومهندسين ومطورين على درجة عالية من التخصص.
ومن أجل ذلك، أقدمت الحكومة على دعم 150 أطروحة دكتوراه في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، خلال يناير الماضي، في خطوة تمهد لظهور نواة صلبة من الكفاءات المغربية القادرة على الإبداع بدل الاستهلاك.
القدرة الحاسوبية
تأهيل الكفاءات وحده لا يكفي. الوزيرة كشفت أن المغرب يحتاج إلى قدرة معالجة حسابية تصل إلى 500 ميغاواط، وهو ما يستدعي استثمارات تتراوح بين 5 و9 مليارات درهم.
هذه الأرقام تضع صانع القرار أمام اختبار جذب الاستثمارات الدولية، وخلق بيئة اقتصادية وتشريعية مشجعة، تمكن المغرب من بناء مراكز بيانات متقدمة، وربما حواسيب عملاقة، تكون قادرة على دعم مشاريع الذكاء الاصطناعي الوطنية.
البيانات..؟
ووسط انفجار رقمي غير مسبوق، أشارت الوزيرة إلى أن 90% من البيانات المتاحة عالميا أنتجت خلال العامين الأخيرين فقط، ما يفرض على الإدارات المغربية تطوير أدوات التخزين والمعالجة والاستخدام الآمن لهذه الكميات الضخمة من المعطيات.
هذه الطفرة الرقمية، إن أُحسن استغلالها، قد تتحول من عبء تقني إلى فرصة اقتصادية واستراتيجية.
أساس المدن الذكية
في جانب آخر، شددت المسؤولة الحكومية على أن التحول الرقمي لا يمكن تحقيقه دون استثمارات جدية في البنية التحتية الرقمية، لاسيما في أفق الانتقال إلى نموذج المدن الذكية.
وأوضحت أن النقل الذكي، على سبيل المثال، يتطلب ربط الحافلات وإشارات المرور بشبكات الإنترنت، وليس الاقتصار فقط على خدمات تحديد المواقع في السيارات الخاصة، ما يعكس تصورا متكاملا لتقنيات المستقبل.
السيادة الرقمية..
ودعت أمل الفلاح السغروشني إلى تجاوز مرحلة الاعتماد على حلول رقمية أجنبية جاهزة، مؤكدة أن "استيراد الحلول قد ينتج اختلالات حين لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية".
لذلك، فإن إنتاج المعطيات والتقنيات محليا لم يعد ترفا أو خيارا ثانويا، بل ضرورة وجودية للدول الساعية إلى الحفاظ على سيادتها الرقمية.
في الأفق القريب
كل المؤشرات تدل على أن المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف دعم البحث العلمي التطبيقي في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الشراكات بين الجامعات والقطاع الصناعي، وإطلاق مشاريع بنية تحتية رقمية موجهة نحو المدن الذكية، والدفع نحو استقلالية رقمية مغربية تراعي الخصوصية الثقافية واللغوية للبلد.