صيف ساخن يرفع خطر الزواحف السامة ووزارة الصحة تهدف إلى تحقيق "صفر وفاة"

يشهد المغرب مع بداية فصل الصيف، وتحديدًا منذ مطلع شهر يونيو، موجة من الارتفاعات الملحوظة في درجات الحرارة، الأمر الذي تترتب عنه تداعيات بيئية وصحية خطيرة، في مقدمتها تصاعد نشاط الزواحف السامة، وعلى رأسها العقارب والأفاعي، التي تشكل تهديدًا مباشرًا لسلامة المواطنين في عدد من المناطق القروية وشبه الحضرية، حيث يظل الخطر مضاعفًا بالنسبة للفئات الهشة من أطفال ونساء وسكان في عزلة جغرافية ومجالية.
هذه الظاهرة الموسمية، التي تتكرر سنويًا، تحولت إلى مصدر قلق كبير، تجاوز الطابع الطبيعي إلى مستوى المعضلة الصحية والأمن الإنساني، وسط تساؤلات عن نجاعة التدخلات الصحية وإمكانات الوقاية والعلاج في المناطق التي تسجل أعلى نسب التسمم والوفاة.
في هذا السياق، ارتفعت أصوات مدنية وبرلمانية مطالبة بتكثيف الجهود الاستباقية، من خلال توفير الأدوية اللازمة، وتحسين التجهيزات في المراكز الصحية القروية، مع إطلاق حملات تحسيسية وتكوين مستمر للمهنيين على مستوى الوقاية والتكفل.
أمام هذا الوضع، نظمت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية يوم الثلاثاء فاتح يوليوز 2025، يومًا دراسيًا خصص لعرض وتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التسممات الناتجة عن لسعات العقارب ولدغات الأفاعي.
هذا اللقاء شكل مناسبة لتسليط الضوء على الخطط المعتمدة والنتائج المحققة، كما عرف إطلاق الأسبوع الوطني للتحسيس والتوعية حول هذه التسممات، الممتد من 1 إلى 8 يوليوز، تحت شعار: "لنحمي أنفسنا من تسممات الأفاعي والعقارب"، وهو حدث سنوي يهدف إلى تعزيز الوعي الوقائي وتكريس ثقافة السلامة الصحية، خاصة في المناطق المعروفة بكثافة انتشار هذه الزواحف.
وفي كلمة ألقاها الكاتب العام للوزارة نيابة عن وزير الصحة، أمين التهراوي تم التأكيد على أن مكافحة التسممات تمثل أولوية صحية وإنسانية، مشددًا على هدف "صفر وفاة" رغم صعوبته، وضرورة تضافر جهود جميع المتدخلين لضمان تحقيقه.
وقد مكنت الاستراتيجية الوطنية المعتمدة منذ 1999، والمعززة سنة 2013، حسب المتحدث ذاته، من خفض معدل الوفيات المرتبطة بلسعات العقارب من 2.37% إلى 0.14%.
مؤكدا أته تم تسجيل انخفاض في نسبة الوفيات الناتجة عن لدغات الأفاعي من 7.2% سنة 2012 إلى 1.9% سنة 2024، وهو ما اعتبرته الوزارة مؤشرا إيجابيا على نجاعة المقاربة المتعددة الأبعاد التي تشمل التكوين والتوعية والتجهيز وتوفير العلاجات.
ووفقًا للمعطيات التي قدمها وزير الصحة أمين التهراوي، فإن المغرب يسجل سنويًا حوالي 25.000 حالة لسعة عقرب، منها 2500 حالة فقط تُصنف كتسمم فعلي، فيما تُعالج باقي الحالات بنجاح دون مضاعفات كبيرة.
أما بخصوص لسعات العقارب، فقد أوضحت الوزارة أنه تم حذف المصل المضاد من البروتوكول العلاجي الوطني، بناء على دراسات علمية أثبتت محدودية فعاليته، بل وإمكانية تسببه في مضاعفات صحية خطيرة كحالات الصدمة التحسسية، مما دفع إلى اعتماد أساليب علاجية بديلة تركز على الدعم الطبي السريع والتكفل بالمضاعفات الحيوية.
المعطيات الميدانية تشير إلى أن التسممات المرتبطة بالعقارب والأفاعي تتركز بشكل كبير في جهات مثل مراكش آسفي، سوس ماسة، بني ملال خنيفرة، درعة تافيلالت، والدار البيضاء سطات، وهي جهات تتسم بتنوع بيئي وجغرافي يعزز من تواجد هذه الزواحف، وفقا لما كشف عنه الكاتب العام للوزارة.
وتبقى الفئة العمرية دون سن الخامسة عشرة الأكثر عرضة للوفاة، حسب المتحدث ذاته، نظرًا لهشاشة أجسام الأطفال وسرعة تأثرهم بسموم العقارب والأفاعي، الأمر الذي يستدعي تدخلًا سريعًا ومُؤطرًا ببروتوكولات علمية دقيقة.
وتُشير إحصائيات الوزارة إلى أن 40% من لسعات العقارب تحدث داخل المنازل، وتتركز بشكل خاص في اليدين والقدمين. أما لدغات الأفاعي، فتستهدف بالأساس الذكور بنسبة تقارب 59%، وذلك أثناء مزاولة الأنشطة الفلاحية التي تمثل أكثر من 70% من الحالات، خاصة خلال أشهر الصيف الممتدة من أبريل إلى شتنبر.
وفي إطار تفعيل خططها الاستباقية، أعلنت الوزارة عن اقتناء أكثر من 1200 وحدة علاجية خاصة بلسعات العقارب، إضافة إلى 600 حقنة مصل مضاد لسم الأفاعي، تم توزيعها على المستشفيات والمراكز الجامعية الجهوية، مع تفعيل منظومة المداومة الطبية المستمرة، تحت إشراف متخصصين في علم التسمم، يضمنون توجيه الحالات الصعبة والتكفل بها في الوقت المناسب.
ولم يغفل الوزير أهمية تكوين الأطر الطبية، حيث يتم تنظيم دورات منتظمة تستهدف تحسين كفاءاتهم في التعرف على حالات التسمم وتصنيفها حسب درجة الخطورة، وهو ما يسهم في تقليص مدة التشخيص والتكفل، وتحسين نسب النجاة.
ورغم النتائج الإيجابية المسجلة، لا تزال التحديات قائمة، وعلى رأسها صعوبة ولوج المواطنين في العالم القروي إلى الخدمات الصحية في الوقت المناسب، واستمرار الاعتماد على ممارسات تقليدية قد تزيد الوضع سوءًا.