مرسوم قانون الاستثمار يُفجر مواجهة بين “البيجيدي” ورئاسة لجنة المالية

أثار اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، المنعقد اليوم الثلاثاء، موجة من الجدل السياسي والبرلماني، بعدما انسحب أعضاء من المجموعة النيابية للعدالة والتنمية احتجاجًا على ما اعتبروه "مصادرة لحقهم" في تقديم تعديلات بشأن مشروع قانون يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار.
وجاء الانسحاب إثر تمسك رئيسة اللجنة، زينة شاهيم، بالانتقال مباشرة إلى مسطرة المصادقة، عقب تقديم الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، كريم زيدان، لمضامين المشروع.
واستند موقف الرئيسة إلى مقتضيات المادة 254 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تنص على أن المراسيم بقوانين، التي تم التصويت عليها داخل اللجان الدائمة خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، تُعرض على المجلس قصد المصادقة عليها خلال دورته العادية الموالية، دون إمكانية تعديلها.
غير أن هذا التأويل لم يقنع نواب العدالة والتنمية الذين عبّروا عن رفضهم لما وصفوه بخرق للممارسة التشريعية، معتبرين أن النظام الداخلي يمنح الحق لجميع النواب في مناقشة مشاريع القوانين بمختلف مراحلها، بما فيها التقديم العام والتفصيلي، ثم تقديم التعديلات قبل التصويت.
وفي هذا السياق، أوضح النائب البرلماني عبد الصمد حيكر أن المجموعة لم تكن تطالب بتعديل مضمون المرسوم بقانون في صيغته الأصلية، بل تقديم مقترحات بشأن مشروع القانون المعروض حاليًا، مع إتاحة الفرصة للحكومة للقبول أو الرفض، بدل المنع القبلي من المساهمة التشريعية.
من جهته، دافع حفيظ وشاك، عضو فريق التجمع الوطني للأحرار، عن موقف الأغلبية، مشيرًا إلى أن المرسوم بقانون الذي اتخذته الحكومة خلال الفترة الفاصلة بين الدورات البرلمانية لا يمكن تعديله، لأن مضمونه محفوظ بحكم الطبيعة القانونية للآلية المستعجلة التي صدرت في إطارها.
وأكد أن أي تغيير في هذا النوع من النصوص لا يمكن أن يتم إلا من خلال قانون جديد يصدر عن البرلمان، أو من الجهة التي صدر عنها المرسوم، أو عن طريق تقديم مقترحات قوانين من قبل الفرق البرلمانية.
ورغم الخلاف الحاد بين مكونات اللجنة، فقد تم التصويت على مشروع القانون المعروض للمصادقة، حيث أيد النص عشرة نواب، فيما عارضه أربعة، في غياب مجموعة العدالة والتنمية التي غادرت الجلسة قبل لحظة الحسم.
الاجتماع لم يقتصر على هذا المشروع فقط، بل خُصص كذلك لدراسة تسعة مواضيع محورية مرتبطة بالاستثمار، والتقائية السياسات العمومية، وتقييم أدائها، وهي مواضيع طُرحت من مختلف الفرق البرلمانية، من الأغلبية والمعارضة، في إطار مساءلة الحكومة بشأن التوجهات الكبرى لسياساتها الاستثمارية.
وتوزعت هذه المواضيع بين قضايا متعلقة بميثاق الاستثمار الجديد، وتفعيل أنظمة الدعم للمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي، ومدى تأثير إشراف رئاسة الحكومة على المراكز الجهوية للاستثمار في أجرأة الإصلاحات، إضافة إلى نقاش حول سبل تقليص الفوارق الجهوية والعدالة المجالية في توزيع الاستثمارات.
كما طُرح ملف الدعم العمومي للمشاريع الاستثمارية الكبرى، والنصوص التطبيقية المرتبطة بالقانون الجديد للاستثمار، بما فيها مشروع مرسوم الدعم الأساسي والدعم الخاص المخصص للمشاريع ذات البعد الاستراتيجي.
وتأتي هذه النقاشات في سياق ظرفية اقتصادية دقيقة، تراهن فيها الحكومة على تسريع وتيرة الاستثمار، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي ما بعد الأزمات العالمية، وسط دعوات من البرلمان إلى تجاوز التعقيدات الإدارية وتحقيق الالتقائية الفعلية بين السياسات العمومية القطاعية، لجعل المراكز الجهوية رافعة حقيقية لتحفيز الاستثمار وإنتاج الثروة على مستوى الجهات.
وبينما تستمر الحكومة في اعتماد أدوات تشريعية استثنائية لتسريع بعض مشاريع الإصلاح، تبرز من حين إلى آخر توترات مؤسساتية تعكس الحاجة إلى إعادة تأهيل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، في اتجاه تعزيز الثقة وضمان ممارسة برلمانية قائمة على الحق في التشريع والمساءلة والتعديل.