ليساسفة تختنق بين الأدخنة السامة وفوضى النقل السري

الكاتب : انس شريد

01 يوليو 2025 - 10:30
الخط :

تعيش ساكنة منطقة ليساسفة، الواقعة ضمن النفوذ الترابي لمقاطعة الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، أوضاعًا بيئية مقلقة بسبب تصاعد الأدخنة والروائح السامة المنبعثة من أحد المصانع المتخصصة في معالجة مادة "البولستيرين"، وهي مادة بلاستيكية تُعدّ من بين أخطر المواد الملوثة للبيئة وأكثرها تأثيرًا على صحة الإنسان.

ورغم أن المنطقة كانت إلى عهد قريب منطقة سكنية هادئة يقصدها المواطنون للاستقرار، فإنها تحوّلت تدريجيًا إلى فضاء صناعي غير مؤطر بيئيًا، حيث يشتغل المعمل المذكور في ظروف تفتقر لأدنى شروط السلامة والمعايير البيئية، حسب ما تؤكده شهادات سكان الأحياء المجاورة.

ويمثل المعمل، الذي يعيد تدوير أو يحرق مادة البولستيرين بشكل غير مراقب، مصدر قلق صحي دائم للساكنة، في ظل انبعاث غازات خانقة يُعتقد أنها تحتوي على مركبات كيميائية مسرطنة مثل "الستايرين"، والتي تُعرف بآثارها السامة على الجهاز التنفسي والعصبي، فضلًا عن تسببها في تهيجات جلدية ومخاطر صحية تراكمية.

السكان، الذين لم يتوقفوا عن تقديم شكايات متكررة إلى السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، يشتكون من تجاهل تام لمطالبهم المشروعة بالعيش في بيئة نظيفة وآمنة.

كما عبّرت جمعيات محلية عن استنكارها لاستمرار هذا الوضع في ظل ما وصفوه بـ"تقاعس مفضوح" من طرف الجهات المسؤولة، التي لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لحماية السكان أو لفتح تحقيق بيئي شفاف حول نشاط المصنع المعني ومدى احترامه للمعايير القانونية البيئية المعمول بها.

وقد بلغت حدة الاحتقان درجة دقت فيها المعارضة داخل مقاطعة الحي الحسني ناقوس الخطر، وفقا لما توصلت به "الجريدة 24" حيث طالبت من خلال مداخلاتها وتعليقاتها بإيجاد حلول عاجلة، مشيرة إلى أن الأمر لم يعد مجرد مسألة بيئية، بل أزمة صحية متكاملة تمس الكرامة والحق في الحياة الكريمة.

كما نبّه فاعلون محليون إلى خطورة الاستمرار في التغاضي عن هذه الكارثة البيئية، خصوصًا أن آثارها تتجاوز التأثير الآني لتشمل احتمالات كارثية على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة.

الملف لم يظل محصورًا في الإطار المحلي، بل وصل في أكثر من مناسبة إلى قبة البرلمان، حيث أثيرت أسئلة كتابية وشفوية بشأن خطر هذه الانبعاثات، وتم توجيه دعوات متكررة للحكومة للتدخل، إلا أن الوضع الميداني لم يعرف أي تغييرات ملموسة، ما جعل الساكنة تفقد الثقة في إمكانية إنصافها في القريب العاجل.

إلى جانب الأزمة البيئية، تعاني ليساسفة أيضًا من فوضى عمرانية واجتماعية متفاقمة، يتصدرها مشكل النقل السري، الذي صار يمثل عبئًا إضافيًا على المواطنين. فقد تحوّل شارع العراقي وبعض النقاط الحيوية بالمنطقة إلى محطات عشوائية تعج بسيارات النقل السري، التي تعمل خارج القانون، مستغلة ضعف المراقبة، وسط استياء واسع من السكان.

وبحسب ما عاينته الجريدة 24، فإن "الخطافة" يعمدون إلى استعمال مركبات قديمة ومهترئة، تحمل أعدادًا زائدة من الركاب دون احترام لأي ضوابط، ما يشكل خطرًا يوميًا على سلامة المواطنين، خاصة على الطريق الرابطة بين ليساسفة وقرية حد السوالم.

وأكد عدد من السكان أن هذه السيارات تتحرك بسرعة مفرطة، يقودها سائقون لا يتوفرون في الغالب على رخص قانونية أو وثائق التأمين، ما يجعل من حوادث السير المحتملة مسألة وقت لا غير.

كما طالب السكان بإخلاء المنطقة من الأسواق العشوائية التي تنمو على هامش هذه الظواهر، والتي ساهمت في تفاقم مشكلات السير والبيئة، محذرين من أن غياب التدخل المؤسساتي قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وشيك إذا ما استمرت المعاناة اليومية على هذا النحو.

في ظل هذا الوضع المتداخل، يبقى الأمل معلقًا على تحرك عاجل من السلطات المحلية والجهات المنتخبة، من أجل إعادة الاعتبار للمنطقة، وفتح تحقيقات جدية في ملف التلوث البيئي وظاهرة النقل السري، والعمل على وضع حد لحالة التسيب والفوضى التي باتت تطبع حياة المواطنين في ليساسفة، والذين لم يعودوا يطالبون بأكثر من حقهم الطبيعي في العيش الكريم.

آخر الأخبار