وسط الجدل.. "التأمين الصحي" يمر من "المستشارين"

رغم الجدل الواسع والملاحظات المتعددة التي أبداها عدد من المستشارين والمعارضة السياسية، صادق مجلس المستشارين، بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 54.23 المتعلق بتعديل وتتميم القانون 65.00 الخاص بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض.
وشهدت جلسة المصادقة نقاشا بين البرلمانيين والحكومة، لاسيما المعارضة منها، التي عبرت عن مخاوفها من بعض بنود النص ومآلاته على أرض الواقع.
يندرج المشروع في سياق تنزيل التوجيهات الملكية السامية المتعلقة بتعميم الحماية الاجتماعية، وضمن تفعيل مضامين القانون الإطار رقم 09.21، خاصة ما يتعلق بتوحيد أنظمة التأمين ومراجعة الترسانة التشريعية المرتبطة بها، في أفق تحقيق حكامة موحدة وفعالة للمنظومة.
وقد حمل النص مستجدات مهمة أبرزها توحيد تدبير أنظمة التأمين الصحي تحت إشراف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وحذف النظام الخاص بالطلبة مع تمديد سن الاستفادة إلى 30 سنة، وضبط شروط الاستفادة من نظام "أمو تضامن"، وتأطير المرحلة الانتقالية للتعاضديات، وتوسيع صلاحيات الهيئة المدبرة للمساهمة في برامج الوقاية والتوعية الصحية.
خلافات حادة ونقاط توتر
ورغم الإشادة الحكومية بالمشروع، فإن مناقشته داخل مجلس المستشارين لم تخل من التوتر، إذ عبرت فرق المعارضة عن مجموعة من التحفظات، تمحورت حول غياب رؤية واضحة حول مصير التعاضديات
عدد من المستشارين، خصوصا من فرق المعارضة والنقابات، اعتبروا أن النص يحمل تهديدا ضمنيا لوضعية التعاضديات ودورها التاريخي في تقديم الخدمات الصحية، مبدين تخوفهم من أن يؤدي "التأطير المؤقت" إلى إقصائها بشكل تدريجي.
سرعة وتخوفات..
وأثار البعض مسألة السرعة التي تم بها عرض المشروع على التصويت، معتبرين أن الأمر لا يليق بمشروع قانون مفصلي يهم ملايين المغاربة، وكان حريا بالحكومة توسيع الاستشارة وتقديم دراسات تأثير مفصلة قبل عرضه.
وعبرت بعض المداخلات عن القلق من العبء المالي والإداري الذي قد ينجم عن توحيد أنظمة التأمين تحت سقف مؤسسة واحدة، دون توفير الإمكانيات اللازمة أو آليات المراقبة المستقلة.
ورفعت ملاحظات بشأن كيفية تحديد الأشخاص "غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك"، وطالب مستشارون بضمانات واضحة لتفادي إقصاء فئات هشة من التغطية بحجة شروط معقدة.
تعديلات وتوافق جزئي
في مرحلة اللجنة، تم تقديم 77 تعديلا على المشروع، ما يعكس الزخم السياسي المحيط به، غير أن الحكومة لم تتفاعل مع جميعها، وتم رفع 8 تعديلات فقط إلى الجلسة العامة، صادقت الأغلبية على عدد منها، فيما تم رفض أو إسقاط تعديلات أساسية كانت تعول عليها المعارضة لضمان توازن النص.
الحكومة تدافع.. والمعارضة تحذر
في ردها على الانتقادات، أكدت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن المشروع يعد خطوة حاسمة في مسار إصلاح شامل وعادل لمنظومة التأمين الصحي، ويضمن الاستمرارية والشفافية. كما شددت على أن الحماية الاجتماعية لا يمكن أن تتطور دون توحيد الجهود وتقوية المؤسسات التدبيرية.
بالمقابل، حذرت بعض الأصوات المعارضة من أن المشروع قد يرسخ منطقا إداريا فوقيا على حساب التنوع المؤسساتي والخبرة التي راكمتها بعض الهيئات، داعين إلى تتبع دقيق لمرحلة التنزيل حتى لا يجهز النص على المكتسبات السابقة.