ملف أرباح المؤثرين يعود للواجهة.. المعارضة تطالب بآليات ضبط ضريبي عادلة

لا تزال الدعوات بين النشطاء تتزايد لضبط المحتوى الرقمي، في وقتٍ تتسارع فيه وتيرة الأرباح التي تحققها هذه الفئة من منصات التواصل الاجتماعي، سواء من خلال العائدات المباشرة من «يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك»، أو عبر عقود الإشهار والترويج التجاري التي تربطهم بعلامات تجارية محلية ودولية.
ورغم التصريحات الحكومية المتكررة التي توعدت بإخضاع هؤلاء لنظام ضريبي عادل، إلا أن تطبيق هذا التوجه ما زال يراوح مكانه، في ظل غياب إطار تنظيمي واضح، يضمن العدالة الجبائية ويحمي المبادرة الفردية في الآن ذاته.
وعاد النقاش حول هذا الموضوع عاد بقوة إلى الواجهة منذ مناقشة قانون المالية برسم السنة الحالية، حيث طالبت عدة أصوات داخل المؤسسة التشريعية بإدماج مداخيل المؤثرين ضمن الوعاء الضريبي، خصوصًا أن هذه الأنشطة الرقمية تحوّلت إلى مصدر دخل قار لفئة واسعة من الشباب المغربي.
وغالبًا ما يتم تحصيل هذه المداخيل من خلال إعلانات ترويجية ممولة، أو شراكات مع علامات تجارية، أو عبر المحتوى المدفوع الذي تقدمه بعض المنصات العالمية، في غياب أي شكل من أشكال التصريح الجبائي الرسمي أو التتبع المؤسساتي.
وفي هذا السياق، يرى عدد من المتتبعين للشأن العمومي أن فرض ضريبة على المؤثرين لا يمثل فقط مطلبًا اقتصاديًا مرتبطًا بتوسيع قاعدة الملزمين، بل يعكس أيضًا حاجة مجتمعية ملحة لضبط نوعية المحتوى الرقمي المنتشر.
فالكثير من صناع المحتوى، بحسب آراء عدد من النشطاء، يحققون مداخيل ضخمة قد تتجاوز أحيانًا 100 مليون سنتيم سنويًا، مقابل تقديم محتوى يوصف في الغالب بالتافه أو غير المفيد، وهو ما أثار ردود فعل متزايدة من قبل شرائح مجتمعية تعتبر أن المشهد الرقمي بحاجة إلى تقنين ومراقبة، ليس فقط على مستوى المداخيل، بل أيضًا على صعيد الرسائل الموجهة إلى فئة الشباب.
من جانب آخر، لم تبق المعارضة البرلمانية بمنأى عن هذا الجدل، حيث وجّه الفريق الحركي بمجلس النواب سؤالًا كتابيًا آنيا إلى وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي تساءل فيه عن الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها من أجل إدماج هذه الفئة ضمن المنظومة الضريبية، دون المساس بحرية المبادرة أو تعقيد الإجراءات أمام الشباب الراغب في الاستفادة من الاقتصاد الرقمي.
واعتبر رئيس الفريق، ضمن سؤاله، أن إخضاع المؤثرين للضريبة يجب أن يتم وفق رؤية شاملة تضمن العدالة وتستند إلى معايير شفافة، مع خلق نظام جبائي مبسط يشجع على التصريح الطوعي.
السؤال البرلماني ذاته طالب بالكشف عن الدراسات المقارنة التي قد تكون الوزارة قامت بها للاطلاع على التجارب الدولية في هذا المجال، خاصة في ظل وجود نماذج أوروبية وآسيوية سبقت إلى تنظيم القطاع وفرض ضرائب على أرباح المؤثرين، من خلال آليات رقمية تتيح تتبع المعاملات وضبط سقف الأرباح بصورة دقيقة.
كما شدد على ضرورة توضيح الأدوات التي ستعتمدها الحكومة لتحديد دخل المؤثرين ومداخيلهم القابلة للضريبة، بما يضمن عدم التهرب من الأداء، وفي الوقت نفسه يشجع الممارسات القانونية والمهنية داخل هذا القطاع.
ومع تزايد حدة النقاش، ترتفع التوقعات بأن يشهد المغرب خلال الأشهر المقبلة تحركًا رسميًا في اتجاه تقنين نشاط المؤثرين رقميا وماليًا، إما من خلال مقتضيات قانونية جديدة، أو عبر مراسيم تنظيمية تُدرج تدريجيًا هذه المداخيل ضمن منظومة الضرائب الوطنية، خصوصًا أن الحكومة سبق أن أعلنت نيتها توسيع قاعدة دافعي الضرائب، في إطار تعزيز موارد الميزانية العامة وضمان العدالة الجبائية بين مختلف فئات المجتمع.
ويظل التحدي الأبرز في هذا السياق هو الموازنة بين مصلحة الدولة في تحصيل الموارد، وحق الشباب في الاستفادة من الفرص الرقمية الجديدة، دون فرض أعباء معقدة قد تُعيق تطور الاقتصاد الرقمي الوطني.