من يسعى إلى تجميد مبادرات المصالحة في الريف؟

الكاتب : الجريدة24

28 أغسطس 2019 - 10:00
الخط :

لم يعد خافيا على أحد أنه كلما ظهرت بوادر من أجل حل ملف معتقلي أحداث الحسيمة، وإلا وتأتي خطوات صادرة عن جهات مختلفة المشارب والتوجهات من أجل تجميد أو إيقاف كل مجهود يتجه نجو إيجاد حل سياسي وسلمي لهذا الملف. هذه الخطوات تكون على شكل تصريحات إعلامية ومقالات هنا وهناك والهدف من ورائها هو تبخيس كل مبادرة مدنية كانت أو مؤسساتية تتجه نحو إيجاد مخرج لإشكالية المعتقلين.

في هذا الإطار، يمكن أن نضع البيان الأخير الصادر عن ناصر الزفزافي وعدد من معتقلي أحداث الحسيمة. البيان الذي وقعه كل من الزفزافي الابن ونبيل أحمجيق ووسيم البوستاتي وزكرياء أضهشور ومحمد الحاكي، وطالبوا من خلاله بإسقاط الجنسية المغربية وأعلنوا فيه نزع البيعة. وهي الخطوة التي لم تلق دعما في الأوساط الحقوقية المتتبعة للملف وتحاول أن تساهم في إطار الوساطة من أجل حله، مثل صلاح الوديع وعبد الرحيم الجامعي.. وهذه الأوساط رفضت خطوة "نزع الجنسية" باعتبارها ليست سلوكا احتجاجيا لا يرقى إلى مستوى ضغط قانوني ولا مناورة سياسية.

وهنا يجب التذكير، بأن مشروعية الفعل الاحتجاجي مستمدة أساسا من إمكانية تحققه على أرض الواقع قانونيا وفعليا. والحال أن قانون الجنسية المغربية ليس فيه ما يتيح إمكانية التخلي عن الجنسية، وحتى في حالات نزعها من طرف السلطات فالقانون سيجها في حالات معدودة وبعدد من الشروط حماية للمواطنين من الشطط والتعسف.

فبالرجوع إلى قانون الجنسية المغربية، نجد أن الفصل 19 يحدد حالات فقدان الجنسية والتي لا تنطبق على معتقلي الريف. وهو تحديد لحالات معزولة يتلاءم مع الممارسة الاتفاقية للمملكة في مجال حقوق الإنسان، إذ تعتبر مفوضية المتحدة لحقوق الإنسان أن "الحق في الجنسية حق من حقوق الإنسان الأساسية. وهو يعني حق كل فرد في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها".

كما أنه حتى على المستوى السياسي لا يمكن أن تأتي هذه الخطوة "بمكاسب" حقوقية للمعتقلين، فهي تزيد في تعقيد الملف بشكل أكبر، لأن الحل السياسي لهذا الملف يتطلب أساسا القبول بمبادئ الوساطة التي والحالة هذه تتجلى في مراجعة المواقف من لدن رفاق الزفزافي وأحمجيق وجلول.. فالمزايدة بالمواقف لن تخدم أي طرف ولاسيما معتقلي أحداث الحسيمة. كما أن خرجات والد الزفزافي الإعلامية كثيرا ما ساهمت في تعقيد الوضع أكثر منها محاولة من أجل حلحلة الملف.

والواقع أنه كثيرا ما جرى التشويش على عدد من المبادرات والخطوات الرسمية والحقوقية، عبر الخرجات الإعلامية والمواقف السياسية غير المحسوبة، رغم أن أعلى سلطة في البلاد قدمت عددا من الإشارات تتجه نحو الاستعداد لحل الملف عبر العفو الملكي الصادر في مراحل متعددة على المسجونين على خلفية أحداث الحسيمة. من هذا المنطلق، تابعنا كيف أن "المبادرة المدنية من أجل المصالحة مع الريف"، تعرضت بياناتها وتصريحات منسقها الدكتور محمد النشناش للانتقاد والتهجم من طرف جهات داخلية وخارجية، رغم أنها غالبا ما اصطفت إلى جانب السجناء في مطالبهم وترافعت من أجل تحقيقها، مع الإشارة طبعا إلى أنه حتى السلطات لم تتعاون معها بالقدر الكافي ولم تفتح معها أبواب الحوار بشكل كامل..

ولعل المثال الثاني على الخلاصة السالفة الذكر، هو الهجوم الذي تعرض له شوقي بنيوب، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، بعد تقريره حول أحداث الريف. والحال أن هذا "الانتقاد" الحاد لم يأخذ بعين الاعتبار عددا من النقط، أولها أنه تقرير رسمي يجب أن يدافع عن وجهة نظر الدولة، ثانيا أنه أسقط تهمة الانفصال عن المعتقلين، وثالث النقط تتجلى في الخلاصات التي تركت مجالا للوساطة وحل الملف عبر الجهود في هذا الإطار.. وهذا ما لم "ينتبه" الكثير من المنتقدين.

وتبقى الإشارة إلى الانتقادات التي ووجهت بها أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي لا يخفى على أحد المجهودات الكبيرة التي بذلتها من أجل حل هذا الملف، إذ عقدت عدد من اللقاءات مع عائلات المعتقلين التي كان الغرض منها تنقية الأجواء في أفق مبادرة وساطة يمكن أن تحلحل الملف.

وبعد الانتقادات التي وجهت لها بسبب رفضها وصف سجناء الريف بالمعتقلين السياسيين في تصريح صحافي، خرجت بمقال صحافي يحمل عنوانه دلالات خاصة (طلقوا الدراري) ومع ذلك تلقت سيلا كبيرا من الانتقادات، مع العلم أن العديد من الفاعلين الحقوقيين شددوا مرات عديدة على عدم وصف سجناء أحداث الحسيمة بالمعتقلين السياسيين لكي لا يساهم ذلك في تعقيد موقفهم، لأن هذا الوصف سيثبت التهم ذات الطبيعة السياسية عليهم ولا يجعل منها تهما مرتبطة بحراك ذو خلفية سوسيواقتصادية.

إن حل ملف الريف لن يتأتى أبدا من خلال المواقف الراديكالية، لأنها لا تتيح إمكانيات كبيرة للوساطة التي يمكن أن يقودها فاعلون مدنيون مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، أو مؤسسات دستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والحال أننا اليوم أمام أشخاص لا يهمهم حل الملف إلا من خلالهم أو عبر المشاركة فيه، أكثر ما يهمهم دعم المبادرات الجادة.

 

آخر الأخبار