المغرب و السعودية..متى تنتهي سحابة الصيف العابرة؟

الكاتب : الجريدة24

14 فبراير 2019 - 06:30
الخط :

قبل أيام نشرت وكالة "أسوشيتيد بريس" خبرا يفيد أن العلاقات المغربية السعودية تمر بأزمة غير مسبوقة. الوكالة من خلال مراسلتها في الرباط أفادت أن المغرب انسحب من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، ولم يعد يشارك في التدخلات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية في هذا التحالف. وأضافت الوكالة أن المغرب استدعى سفيره إلى المملكة العربية السعودية لإجراء مشاورات.

خبر استدعاء السفير المغربي للتشاور سرعان ما سوف تؤكده وسائل إعلام مغربية، والتي نشرت تصريحات منسوبة لمصطفى المنصوري، سفير المملكة المغربية في السعودية، أوضح فيها أن سبب استدعائه يتعلق بالمستجدات التي طرأت أخيرا على مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة بعد بث القناة التلفزية "العربية"، المقربة من الدوائر الحاكمة في السعودية، لتقرير مصور ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وأكد المنصوري في تصريح لموقع le360 أنه جرى استدعاؤه، قصد التشاور حول هذه المستجدات، معتبرا أن "الأمر عاد في العلاقات الدبلوماسية حينما تعبرها بعض السحب الباردة".

الخبر أحدث رجة كبيرة وطنيا ودوليا. وخصصت القنوات العالمية فقرات من برامجها من أجل الحديث عن أزمة مغربية - سعودية غير مسبوقة، لاسيما بالنظر إلى متانة العلاقات التاريخية بين المملكتين. وكان واضحا غياب أي موقف رسمي مغربي للتعليق على ما يقع، واكتفت المملكة بتصريف غضبها عبر قنوات ووسائل أكثر ليونة أبرزها خبر "أسوشييتد بريس"، وليس عبر تصريحات رسمية كما كان يقع في خلافات أو أزمات مشابهة مع دول أخرى. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا: هل نحن إزاء سحابة عابرة فقط أو أزمة ممتدة في الزمان؟

جذور الأزمة في الربيع العربي

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة شيئا ما إلى الوراء. وبالضبط إلى لحظة مفصلية تتعلق بما سمي "الربيع العربي" وما أعقبه من أحداث. لقد كان واضحا أن محور السعودية لا يقاسم المملكة نفس التصور لتدبير هذه المرحلة، ففي الوقت الذي اقتنعت المملكة المغربية بضرورة التجاوب مع إرادة الشعوب العربية ودعم مساراتها في الانتقال الديمقراطي، كانت المملكة العربية السعودية تعمل على دعم رموز الأنظمة المطاح بها.

الأمثلة في هذا الشأن واضحة ومتعددة. في تونس مثلا لم يخف المغرب دعمه الرئيس السابق منصف المرزوقي، بل إن العاهل المغربي توجه إلى بلاد ثورة الياسمين إبان فترة المرزوقي وألقى خطابا أمام أعضاء المجلس التأسيسي والتقط صورا في الشارع العام مع المواطنين، وهو ما كان محط تقدير واحترام من طرف الرئيس التونسي السابق، ومن المعلوم أن الأخير جمعته علاقة قوية ومتينة مع المملكة المغربية، لكن في الانتخابات الرئاسية السابقة لم يكن سرا أن محور السعودية دعم بشكل واضح انتخاب الرئيس التونسي الحالي المنتمي إلى جيل المسؤولين الذين حكموا إلى جانب النظام السابق في تونس والذي أطاحت برئيسه ثورة الياسمين.

وفي الجمهورية المصرية، كان واضحا أن المغرب يتعامل بحذر شديد مع "ثورة 30 يونيو" التي جاءت بعبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد. المملكة المغربية ظلت وفية لعقيدتها الدبلوماسية الرافضة لكل تدخل للجيش في السياسة، والتزمت الصمت تجاه ما وقع في بلاد الكنانة منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، ولم يهنئ المغرب السيسي رسميا إلا بعد انتخابه رئيسا مدنيا للبلاد. وفي حفل تنصيبه رئيسا كان المغرب ممثلا فقط بوزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار، ما يبرز أن المغرب يتعامل مع الوضع حينها في مصر بحذر شديد.

في المقابل، لم يكن خافيا الدعم المادي واللوجيستيكي الذي وفره محور السعودية لصالح نظام عبد الفتاح السيسي. وفي لحظة من اللحظات كادت تعيش العلاقات المغربية المصرية على وقع أزمة دبلوماسية، عندما حاول النظام المصري التدخل في قضية الصحراء والعمل على فتح المجال لجبهة البوليساريو من أجل توسيع نشاطها في الجمهورية المصرية، وصلت إلى حد تنظيم زيارة للصحافيين المصريين إلى مخيمات تـندوف، قبل أن تعيد صرامة المغرب في السياسة الخارجية الأمور إلى نصابها.

ونفس الخلاف نجده على مستوى الوضع في ليبيا، إذ أن محور السعودية لم يكن دائما على توافق مع رؤية المملكة المغربية التي احتضنت الحوار الليبي، وهو الأمر الذي ينطبق على بعض الدول الإفريقية أيضا. أما في اليمن فإن مشاركة المغرب في عاصمة الحزم كان له هدف واحد وهو عودة الشرعية إلى اليمن ورفض عملية الانقلاب على السلطة من طرف جماعة مسلحة، لكن لما انتفى هذا السبب وأصبحت هناك أسباب أخرى، فإن المملكة المغربية فضلت التراجع إلى الوراء.

الأزمة تخرج إلى العلن

صحيح أن هذه الخلافات لم تصل إلى حدود التأثير على العلاقات المغربية السعودية، لكن لا يمكن استبعادها في سياق تحليل "الأزمة الصامتة" الحالية. موقف المغرب كان واضحا وأكد عليه الملك محمد السادس في خطابه أمام مجلس التعاون الخليحي، إذ قال: إننا نحترم سيادة الدول، ونحترم توجهاتها، في إقامة وتطوير علاقاتها، مع من تريد من الشركاء. ولسنا هنا لنحاسب بعضنا على اختياراتنا السياسية والاقتصادية"، محذرا في الآن نفسه من "تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي".

وجاءت اللحظة المفصلية المتمثلة في ضرب حصار على قطر، من طرف دول خليجية مدعومة بالدولة المصرية. المغرب كان واضحا حينها وقرر التزام الحياد في هذه الأزمة غير المسبوقة بين "أشقاء عرب". موقف المملكة لم يتم "هضمه" من طرف حلفائها الاستراتيجيين، الذين كانوا ينتظرون منها مساندتهم دون قيد أو شرط، وهو الأمر الذي عبر عليه بوضوح المسمى تركي آل الشيخ، الذي كتب تدوينة يلمح فيها إلى المغرب وبإمكانية عدم التصويت على الملف المغربي للترشيح لكأس العالم (وهو الأمر الذي حدث) لأنها بحسبه اتخذت المملكة المغربية موقفا رماديا وأن هذا لم يعد مقبولا خاتما تدوينته بــ"دع الدويلة تنفعك" في إشارة إلى قطر.

وبالفعل صوتت السعودية وحشدت دولا أخرى للتصويت على الملف الأمريكي المكسيكي ضدا على الملف المغربي، وهو الأمر الذي تلاه اتصال بين العاهل المغربي وأمير دولة قطر من أجل العمل على تعزيز العلاقات الثنائية، بما فهم منها إشارة ضد الموقف السعودي.

بعد كل هذه التطورات، لم يكن بدا من خروج الأزمة بين البلدين إلى العلن، لاسيما بعدما بثت قناة العربية تقريرا مسيئا للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ردا على حوار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على قناة الجزيرة. ويتضح من خلال كل ما سبق ذكره أن الخلاف المغربي السعودي ليس وليد لحظة معينة، وهذا ما لا يجعل منه سحابة صيف عابرة فقط، فنحن إزاء خلاف تراكم منذ فترة ما بعد الربيع العربي وحل الإشكاليات المرتبطة به يحتاج إلى وقت طويل.

في المقابل، وبالنظر إلى متانة العلاقات التاريخية بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، فإن المغرب صرف غضبه إزاء ما يقع بكثير من الهدوء وقليل من الضجيج. فالمغرب لا يريد أن يتحول الخلاف إلى أزمة دبلوماسية بين الطرفين، ويصر على جعلـها مجرد سحابة "صيف عابرة" وهي نفس الرغبة التي يتم تصريفها بشكل غير رسمي من لدن السلطات الحاكمة في بلاد الحرمين. وبالتالي فهذا الوعي بعمق العلاقات بين البلدين سوف يجعل من الأزمة مجرد سحابة صيف عابرة، إذا ما تم اعتماد لغة الحوار واستبعاد المناهضين للمملكة المغربية فيه والتعامل معها كدولة لها استقلالية وسيادتها الغير قابلة للمساومة وليست مجرد بلد تابع لمحور معين.

آخر الأخبار