خليدي: العثماني نموذج ديمقراطية الوصفات الجاهزة

الكاتب : الجريدة24

20 سبتمبر 2019 - 09:15
الخط :

محمد خليدي- أمين عام حزب النهضة والفضيلة

يوم السبت 14 شتنبر الحالي، استجبت لدعوة كنت قد تلقيتها قبلا، وحضرت لحفل افتتاح ما سمي بـ " مؤسسة عبد الكريم الخطيب للدراسات"، رغم أنني كنت مترددا بسبب الظروف الملتبسة التي واكبت الإعلان المفاجئ عن هذه الخطوة، لكنني حضرت وفاء للدكتور الخطيب ولتاريخنا المشترك معه الذي استمر أزيد من خمسين سنة، وتشجيعا لأي مبادرة من شأنها استذكار الأدوار الكبرى التي أداها الزعيم الراحل خدمة لوطنه وأمته، واستحضار القيم والمبادئ التي عاش لأجلها ومات وهو يدافع عنها بصدق وإخلاص.

تذكرت بالمناسبة رفيق العمر الدكتور عبد الكريم الخطيب، وكيف كان سينظر إلى البعض ممن لعبوا دور البطولة الوهمية في هذا الحفل ذي المستوى الضعيف، يتهافتون اليوم على استغلال اسمه وتاريخه، بعدما غابوا نهائيا عندما كان يتعرض المرحوم للهجوم من طرف بعض المغرضين على صفحات الجرائد إلى أن وصل بهم الحال إلى اتهامه بتهم باطلة في قبة البرلمان.

لقد كانت تلك الحملة المغرضة التي تعرض لها اسم الراحل عبد الكريم الخطيب قبل أكثر من أربع سنوات دافعا لنا نحن مجموعة من أصدقاء ومحبي عبد الكريم الخطيب، مقاومين وسياسيين ورجال فكر ومعتقلين إسلاميين سابقين، إلى التفكير الجدي في تأسيس إطار لتخليد ذكرى رجل أفنى حياته في خدمة دينه ووطنه، وبدأنا بالفعل سلسلة من الاجتماعات توجت بصياغة ورقة إطار للمؤسسة، وتحديد سقف لعقد الجمع العام التأسيسي بعد مشاورات موسعة مع لفيف من الشخصيات التي تنتمي لمختلف التوجهات الاجتماعية والتيارات السياسية بما فيها الحزب الذي تبنى اليوم منفردا مبادرة إنشاء مؤسسة الخطيب، ولقد راسلنا الديوان الملكي احتراما للبروتوكول المعمول به في هذا الإطار، وآثرنا التريث ريثما تجتمع الشروط للإعلان الرسمي عن انعقاد الجمع التأسيسي.

إلا أننا فوجئنا خلال المدة الأخيرة، بتحركات سريعة لجماعة سياسية، أرادت أن تلتف على المبادرة الأولى، وتختطف الخطيب من حاضنته المغربية الواسعة، إلى ضيق الانتماء الحزبي.

لقد تصرفوا بانتهازية سياسية تجاه عبد الكريم الخطيب الذي لم يعرفوه كما عرفناه، فهم لم يعرفوا سوى عبد الكريم الخطيب السياسي الذي وضع حزبه رهن إشارة الوطن، عندما دعت ضرورة المرحلة السياسية في عهد المرحوم الحسن الثاني إلى أهمية دخول الإسلاميين للمعترك السياسي والمشاركة في إنجاح المسار الديمقراطي، ولم يكن الخطيب رحمه الله يرضى بالإقصاء الذي كان يتعرض له الإسلاميون، لذلك فقد دافع عن إدماجهم في الحياة السياسية وإشراكهم في تسيير الشأن العام، وها هم اليوم قد وصلوا بفضله إلى ما وصلوا إليه.

هؤلاء الذين يدعون اليوم إنشاء مؤسسة باسم عبد الكريم الخطيب، لم يتعرفوا على الخطيب، عندما كنا معه في لجنة تشكلت من الراحل ومني شخصيا وكان ثالثنا المرحوم بنعبد الله الوكوتي، وانضم إلينا الأستاذ عبد الإله بنكيران والمرحوم عبد الله بها، يوم دخلنا في مفاوضات الاندماج بمنزل الوكوتي بالحي الإداري في الرباط، وكان عبد الإله بنكيران يبذل مجهودا كبيرا لإقناع الكثيرين من إخوانه بفكرة الاندماج مع الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، لتستمر اللقاءات التشاورية إلى حين انعقاد المؤتمر الاستثنائي سنة 1996 حيث انضمت الحركة الإسلامية إلينا بشكل رسمي.

ولم يعرفوا أبدا عبد الكريم الخطيب المقاوم وهو يقود جيش التحرير مدافعا عن استقلال البلاد وسيادتها وسيادة مؤسساتها الشرعية.

لم يعرفوا الخطيب المجاهد المغاربي وهو ينخرط في معركة تحرير المغرب العربي، خاصة في ملحمة تحرير القطر الجزائري الشقيق.

لم يعرفوا الخطيب الذي وهب نفسه لدعم نضالات الشعوب الإفريقية من أجل التحرر والانعتاق من ويلات الاستعمار الأجنبي.

ولم يعرفوا الخطيب الذي ساند قضايا الشعوب العربية والإسلامية، من فلسطين إلى أفغانستان إلى بورما إلى البوسنة والهرسك ومسلمي الأندلس ومسلمي كل بلدان العالم، وقام من أجل ذلك كله بعشرات الرحلات رافقته في عدة منها عبر القارات حيث كان همه رحمه الله دائما توحيد العالم العربي والإسلامي.

لذلك فمن الطبيعي أن يأتي حفل افتتاح المؤسسة صغيرا بحجم حزب، لا كونيا بحجم الخطيب.

لقد كان عملا أخلاقيا منا أن نحضر حفل افتتاح المؤسسة، وكان عملا لا أخلاقيا من المؤسسين أن يتحول افتتاح المؤسسة من حفل سياسي وفكري واجتماعي، إلى مناسبة حزبية ضيقة، مر التحضير لها بطريقة بدت وكأنها عملية تهريب لمشروع كان من المفترض أن يملأ الدنيا بسبب القيمة الكبيرة للدكتور الخطيب وطنيا وعربيا وإسلاميا وعالميا، وهكذا غاب عن هذه المناسبة الكثير من المقاومين وأصدقاء الدكتور الخطيب المقربين، وتم إبعاد وإقصاء العديدين منهم، وفي حين كانت مبادرتنا التي انطلقت قبل أربع سنوات مفتوحة على كل التيارات السياسية والشخصيات الوطنية، لإيماننا بأن الدكتور الخطيب يمثل رمزية مشتركة بين جميع المغاربة، فإذا بالمناسبة تتحول إلى حفل للإعلان عن الخطيب ملكية خاصة لحزب سياسي وعلامة مسجلة باسمه.

وفي نفس المناسبة، قدم الدكتور العثماني نموذج الديمقراطية التي يؤمن بها، ديمقراطية الوصفات الجاهزة، التي لا يناقش فيها أحد شخصية رئيس مؤسسة للدراسات والفكر، ويتم فرضه على الحاضرين الذين لا يعرفون لهذه المؤسسة قانونا أساسيا ولا وثيقة تحضيرية.

ولأنه ليس لنا مشكل شخصي مع أحد، سواء كان الدكتور العثماني أو غيره من الإخوان، فقد أثار انتباهنا أيضا غياب بعض الوجوه من الحزب المنظم للحفل، من أمثال الأستاذ عبد الإله بنكيران والدكتور المقرئ أبو زيد، والأستاذة خديجة مفيد، والدكتور عبد السلام بلاجي، والدكتور محمد خليل، وغيرهم ممن كانوا أقرب للدكتور الخطيب، بل إن بعض من اختيروا لعضوية مكتب المؤسسة كانوا على خلاف دائم مع الزعيم الراحل، وكان يرى فيهم من النقائص ما لا يؤهلهم ليتجرءوا عليه لو كان على قيد الحياة، وهم الذين يتسابقون اليوم لإظهار مودة افتقدوها معه في حياته، رحمه الله.

و في الأخير، أؤكد على أن كل أصدقاء الخطيب ومحبيه الفعليين، سيظلون دائما أوفياء لخطه الوطني الصادق النقي من كل شوائب الانتهازية والاتجار بالرموز الوطنية، وسنعمل دائما على التصدي لكل محاولات تشويه وتقزيم صورة الخطيب التاريخية الناصعة.

آخر الأخبار