القوة الناعمة المغربية..حقيقة ملموسة

الكاتب : الجريدة24

12 أكتوبر 2019 - 04:00
الخط :

إن الحماس الذي تبديه المملكة المغربية في الدفاع عن حقوقها المشروعة في المحافل الدولية، لا يضاهيه سوى التزامها بمبادئ الاعتدال والعدالة والتعاون. فالآلة الدبلوماسية المغربية، التي تتميز بالثبات والاستباقية والجمع بين ما هو سياسي واقتصادي وبشري، تشكل عنصرا من عناصر قوة ضرب المملكة.

وتمكنت الدبلوماسية المغربية، بفضل تشبثها القوي بالمبادئ التأسيسية التي هيكلت علاقتها بالعالم، من إجراء تغير عميق، في غضون عقدين من الزمن، تمحور حول الثبات في المواقف والاعتدال في المقاربة والوضوح في النهج المتبع.

ومن خلال اعتماد إصلاحات مثمرة، تمت إعادة بلورة العمل الدبلوماسي بلطف، وفقا لمخطط مصمم بكل وضوح ومبني بتأني حول أولويات المملكة ومصالحها الحيوية ومكانتها بين دول المعمور.

فقد تم إرساء هذه المبادئ بشكل رسمي في ديباجة دستور 2011 التي تنص على أن " المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".

وفي هذا الصدد، سبق للملك محمد السادس أن أكد في خطاب العرش لسنة 2012 أنه ستظل الدبلوماسية المغربية وفية لثوابتها العريقة في التعامل مع العالم الخارجي، على أساس الثقة في الذات، واحترام الشرعية الدولية، والالتزام بكل ما يعزز السلم والأمن الدوليين، ومناصرة القضايا العادلة، وتقوية علاقات التعاون الدولي في كل مجالاته.

وهذه هي المبادئ التوجيهية لاستراتيجية دبلوماسية تمت بلورتها بمهارة، مع التركيز على إرساء مكانة تكون لائقة بالإشعاع الدولي للمملكة، وبموقعها الجيوسياسي الذي يوجد على مفترق الطرق بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا، وبتاريخها العريق، كملتقى للمبادلات.

المغرب الكبير، خيار ديبلوماسي لا رجعة فيه

وانطلاقا من محيطها المباشر، المغرب الكبير، ظلت المملكة مخلصة، على الرغم من الجمود، لرؤيتها المتجلية في اتحاد مغاربي قوي من أجل إعطائه دينامية قادرة على ضمان تنمية مستدامة ومتكاملة للمنطقة.

وفي ذروة ما يسمى ب"الربيع العربي"، رفض المغرب بطريقة دبلوماسية عرض مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى هذه المنظمة، معتبرا أن هذا الانضمام يخالف مشروع اتحاد المغرب العربي، الذي رأى النور في مراكش عام 1989.

وبصرف النظر عن بقاء الحدود مع الجارة الشرقية مغلقة، رغم دعوات المغرب الملحة لإعادة فتحها، واصلت المملكة جهودها الدؤوبة لجمع أطراف النزاع الليبي في الصخيرات، مع استمرار انفتاحها على العالم العربي-الإسلامي، وهي منطقة الانتماء الجماعي التي لم تفتأ المملكة في الاضطلاع بدور قيادي فيها.

وفي ظل الخلاف القائم بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي ودولة قطر، اختار المغرب الحكمة وضبط النفس، مع تفضيل الحوار والتشاور.

بصفته دولة محترمة وصيتها مسموع بين دول العالم، أيد المغرب باستمرار الحوار والتفاوض في الصراع العربي-الإسرائيلي، وشجع المصالحة الفلسطينية الداخلية، كما أنه دعا إلى الحفاظ على الوضع الخاص الذي يتميز به القدس الشريف.

علاوة على ذلك، تعتبر المملكة من بين الدول المؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي سنة 1969، كما أنها كانت وراء إحداث لجنة القدس سنة 1975، وكذا وكالة بيت مال القدس سنة 1979.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن التأكيد بما فيه الكفاية على أهمية الدعم التي تقدمه هاتان المؤسستان للمدينة المقدسة، إلا أنه من المهم الإشارة، عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إليها، إلى الموقف الثابت لجلالة الملك، رئيس لجنة القدس.

وفي هذا الصدد، أفاد بلاغ للديوان الملكي (دجنبر 2017) أن جلالة الملك أعرب ''عن رفضه القوي لكل عمل من شأنه المساس بالخصوصية الدينية المتعددة للمدينة المقدسة أو تغيير وضعها القانوني والسياسي''.

الحفاظ على الحلفاء، وتنويع الشركاء

وتعزز تواجد المملكة على الساحة الإقليمية تلقائيا بالانفتاح المتزايد على شركائها التقليديين، لاسيما إسبانيا وفرنسا، وكذا الاتحاد الأوروبي.

وبغض النظر عن الحادث المؤسف ل"جزيرة ليلى" سنة 2003، تكثفت العلاقات بين الرباط ومدريد وارتفعت التبادلات بينهما، لدرجة أن إسبانيا أصبحت أول شريك تجاري للمغرب.

وبينما واصلت العلاقات مع فرنسا اتجاهها التصاعدي مع استمرار تحسن التبادلات التجارية، تم منح المغرب سنة 2008 صفة "الوضع المتقدم" مع الاتحاد الأوروبي، تمهيدا لتعميق العلاقات السياسية، والاندماج في السوق الداخلية من خلال تقارب تنظيمي وتعاون قطاعي وبعد إنساني.

في نفس السياق، وقعت المملكة، سنة 2004، اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، عقب حصولها على وضع الحليف المميز من خارج الناتو، وهو وضع يمنح المغرب فرصة ليصبح منصة للاستثمارات الأمريكية في أوروبا والعالم العربي.

وحرصا منه على مضاعفة شراكاته، ينفتح المغرب أيضا على روسيا من خلال الزيارة الهامة التي قام بها جلالة الملك إلى موسكو (في مارس 2016) على رأس وفد مهم.

وتوجت هذه الزيارة، التي ''تندرج في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المملكة المغربية وروسيا الفيدرالية"، بالتوقيع على مجموعة من اتفاقيات التعاون الثنائي.

وتبعا لنفس الرؤية، يجب الإشارة إلى الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى بكين (في ماي 2016)، والتي تميزت بالتوقيع على بيان المشترك حول إقامة شراكة استراتيجية، وهو ما يدل على إرادة البلدين في ضخ زخم جديد في علاقاتهما الثنائية.

وبطبيعة الحال، لم تكن هذه القدرة على التطلع إلى المستقبل ممكنة دون وجود دعامة مهمة، وهي تجذر المغرب الجغرافي والتاريخي والإنساني والثقافي والديني في قارته الإفريقية.

وقد قال المغفور له صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني سنة 1986 "إن المغرب شجرة جذورها في إفريقيا و أغصانها في أوروبا". وإذا لم يسبق للمغرب أن قطع العلاقات مع جذوره، لاسيما من خلال الاتفاقيات الثنائية، فإن هذه المقولة ذات المعاني العميقة ستتجسد على مدى العقدين الماضيين، منذ تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين.

وقرر المغرب ،الذي كان دائما في طليعة الدول الداعمة لحركات التحرير الوطنية في إفريقيا (حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الموزمبيق، الرأس الأخضر، أنغولا، وغيرهم)، إخلاصا جذوره الأفريقية، إلغاء ديون البلدان الأقل نموا تجاهه، وذلك بمناسبة انعقاد أول قمة بين إفريقيا وأوروبا في القاهرة عام 2000.

إفريقيا.. عودة قوية مدبرة بشكل حكيم

شكلت عودة المغرب القوية إلى أحضان أسرته المؤسساتية القارية ثمرة دينامية متواصلة تميزت باستثمار اقتصادي أكيد، ولكن كذلك باستثمار دبلوماسي في مجال إيجاد حلول للنزاعات، ومكافحة الإرهاب، والتكوين، وتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، والقائمة طويلة.

وأثبتت هذه القطاعات التي تدخل فيه المغرب، والمتمحورة حول استراتيجية ديبلوماسية تحبذ التعاون جنوب-جنوب ونهج مقاربة رابح-رابح، نجاعتها ونضجها على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف. وكانت النتيجة أن أصبح المغرب أول مستثمر إفريقي في غرب إفريقيا، وثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة كلها، علاوة على نمو صادرات المغرب إلى القارة بمعدل سنوي قدره 13 في المائة لتصل إلى 2,1 مليار أورو.

وبدعم من الزيارات الملكية التي قاد خلالها جلالته وفودا تجارية واقتصادية مهمة (أكثر من 46 زيارة إلى 25 دولة إفريقية وما يقرب من ألف اتفاقية مبرمة)، فليس من المستغرب أن تعطي هذه الاستراتيجية ثمارها. فالمملكة، التي كانت استباقية دون أن تكون عدوانية في مقاربتها الدبلوماسية، لم تقم إلا باسترجاع مقعدها في الاتحاد الإفريقي (في يناير 2017).

المغرب بالاتحاد الإفريقي، الانفصاليون يحتضرون

وماذا عن +البوليزاريو+ وداعميهم؟

فحضورهم لا يشكل أي ارتياب بالنسبة للدبلوماسية المغربية. فهي وفية لمبادئها، وتظل نفسها في كل مكان، بما في ذلك في أمريكا اللاتينية، التي كانت في الماضي معقلا للانفصاليين، أما الآن فهي منطقة تشهد انسحابات متتالية من الاعتراف بالجمهورية الوهمية، لاسيما عقب الجولة الملكية سنة 2004 في خمس دول في المنطقة (المكسيك والبرازيل وتشيلي وبيرو والأرجنتين).

وللوصول إلى ذلك، يعتمد المغرب على عدالة قضيته ودينامية نسائه ورجاله، ووضوح مقاربته فيما يتعلق بتكامل المنتديات الإقليمية والدولية، كما هو الحال في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، وبتفضيله دائما لمقاربة رابح-رابح.

ويكفي القول بأن المملكة، وحرصا منها على تمكين نفسها من وسائل لتحقيق طموحاتها، عملت على تعزيز وجودها على المستوى الدولي، كما يتضح ذلك من خلال عدد القنصليات والسفارات المفتوحة في جميع أنحاء العالم، إلى جانب الدينامية المسجلة في العلاقات الثنائية، والمشاركة المتزايدة في المؤتمرات والمنظمات الدولية.

وعلاوة على كل هذه المجهودات، يجب الإشارة إلى أن المغرب أحدث، سنة 2011، أكاديمية مغربية للدراسات الدبلوماسية، وهي مديرية تابعة لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، يعول عليها من أجل زيادة تعزيز صورة المملكة.

آخر الأخبار