بعد نقل اختصاصاتها للرميد: أي دور تبقى للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان؟

الكاتب : الجريدة24

26 أكتوبر 2019 - 05:30
الخط :

في أول خروج إعلامي له، كان أحمد شوقي بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، قد صرح جوابا عن سؤال صحافي يتعلق بعلاقته المؤسساتية مع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، بأن موقعه في مرتبة وزير، مضيفا أن الوضع القانوني للمندوب في نفس مستوى الوزير، وهما بنيتان متجاورتان. واعتبر حينها بنيوب أن الحل لتدبير العلاقة بين الجهازين، يكمن في "التعايش العقلاني والموضوعي".

تعايش لم يكن دائما حاضرا في العلاقة بين " البنيتين "، إذ كثيرا ما اصطدم بنيوب والرميد بشكل غير مباشر بشأن التفاعل مع عدد من الملفات ذات العلاقة بمجال حقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال، وبينما كان لبنيوب موقف مساند -إلى حد ما- لعائلة الطالب المتوفى إثر عنف جامعي في بداية التسعينيات بنعيسى آيت الجيد، كان للرميد موقف رافض لمتابعة القيادي في حزبه عبد العلي حامي الدين الذي تتهمه عائلة آيت الجيد بالمساهمة في اغتيال ابنها، إذ خرج الرميد في تدوينة قوية عبر فيها عن اندهاشه الكبير بعد "إحالة عبد العلي حامي الدين على الغرفة الجنائية من أجل المساهمة في القتل العمد من قبل قاضي التحقيق" خلال شهر دجنبر 2018.

فبعد تعيينه مندوبا وزاريا مكلفا بحقوق الإنسان، قال بنيوب في أول خروج إعلامي له في حوار صحافي مع كل من الأحداث المغربية وإذاعة ميد راديو: "أنا أريد أن أقول وأنا أتوجه إلى حامي الدين وأصدقائه وأنصاره ومريديه: أرجوكم ابتعدوا عن مقرر هيئة التحكيم فيما يتعلق بملف جبر الضرر لسبب واحد هو أنه مقرر هيئة التحكيم لم يدن ولم يبرئ ولا يعطي أي سند لحامي الدين في نزاعه الحالي المعروض على القضاء"، وفهم من هذا التصريح حينها بأنه جواب على موقف الرميد المعبر عليه خلال مرحلة سابقة لتعيين بنيوب.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، وإنما أجبر الخلاف بين البنيتين بشأن هذا الملف المعقد، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان على استقبال عبد العالي حامي الدين رفقة وفد من دفاعه، هذا قبل أن يستقبل بعدها بأيام قليلة لحسن آيت الجيد، والذي ينوب عن عائلة بنعيسى آيت الجيد، وعدد من محاميها..

الاصطدام الأعنف الذي حصل بين بنيوب والرميد، كان عندما بادر الأول إلى نشر تقرير خاص حول أحداث الحسيمة والإعلان عليه في ندوة صحافية بوكالة المغرب العربي للأنباء.

بنيوب سوف يشير في حوار تلفزيوني على القناة الثانية إلى أن الرميد تم إطلاعه على مضمون التقرير قبل عرضه بشكل رسمي أمام وسائل الإعلام، وبعد ضغط لمصطفى الرميد على بنيوب، اضطر الأخير إلى نشر توضيح باسمه في الصفحة الرسمية للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان على الفيس بوك، جاء فيها أنه "في سياق برنامج حديث مع الصحافة بالقناة الثانية، بخصوص تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان حول أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان، وبعد تدقيق الأمر، أفيد بأن السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان لم يسبق له الاطلاع على التقرير المذكور ولم يتوصل به إلا بعد تقديمه بوكالة المغرب العربي للأنباء".

إن التذكير بسياقات الخلاف بين ما سماهما بنيوب "بالبنيتين المتجاورتين" مفيد من أجل فهم مآلات صراع الكواليس هذا، بعد التعديل الحكومي الأخير، فبينما قرأ البعض في تعيين بنيوب محاولة من أجل خلق نوع من التوازن داخل السلطة الحكومية المكلفة بمجال حقوق الإنسان، جاء مرسوم اختصاصات وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع المجتمع المدني، لكي يضع حدا لهذا التأويل بعدما وضع المندوب الوزاري تحت سلطة المصطفى الرميد بشكل لا لبس فيه.

فقد جاء في المرسوم أن الرميد يمارس "مهمة إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وحمايتها والنهوض بها وذلك بتنسيق مع القطاعات الوزارية والهيئات المعنية". كما جاء فيه أن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان تلحق بالوزارة ويتولى الوزير المكلف السلطة على مجموع هياكلها.

إذن هنا يطرح التساؤل حول جدوى المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان اليوم باعتبارها بنية مؤسساتية عهدت إليها مجموعة من الاختصاصات المهمة في السابق.

ومن المرتقب أن يؤثر موقعها الجديد في البنية الحكومية بعدما تحولت إلى ما يشبه بمديرية تابعة للوزارة على مهامها المتعلقة بالتنسيق بين القطاعات الحكومية بشأن القضايا الحقوقية واقتراح تدابير من شأنها ضمان تنفيذ الاتفاقيات الدولية، التي صادقت عليها المملكة والمتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومباشرة جميع المهام التي من شأنها التشجيع على احترام حقوق الإنسان في إطار تنفيذ السياسات العمومية، وضمان مهمة إنجاز التقارير باستشارة دائمة مع الأطراف الشريكة.

وهنا لا بد من التذكير بالتوجيهات الملكية الصادرة خلال استقبال الملك محمد السادس، أحمد شوقي بنيوب، من أجل تعيينه في منصب المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، إذ أكد العاهل المغربي على "المندوبية في متابعة السياسة الحكومية، خاصة في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، والتنسيق في ذلك مع القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية؛ فضلا عن تتبع تفعيل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وإعداد وتقديم التقارير الوطنية أمام الآليات الأممية المختصة".

وهي أدوار ذات أهمية كبرى لا يمكن بالشكل الحالي لتدبير ملف حقوق الإنسان على مستوى الحكومة، تفعيلها بالشكل اللازم، خصوصا وأن المملكة المغربية لها رهانات عديدة مرتبطة بشكل كبير بملف حقوق الإنسان وصورة البلاد في هذا الإطار.

فمثلا يسجل اليوم إرجاء عرض تقارير مهمة، من قبيل التقرير المرحلي الخاص بمتابعة تنفيذ التوصيات المنبثقة عن الجولة الثالثة من آلية الاستعراض الدوري الشامل، أو التقارير التي وعد بها بنيوب منذ تقديمه تقريرا حول أحداث الحسيمة، وتهم كل من "الوضعية العامة لحماية حقوق الإنسان" و"أوضاع حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية، وتقرير سنوي، وتقارير موضوعاتية خاصة، بمبرر الانتظار إلى أن يتم وضع آلية للتدخل الحمائي.

إن للمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان دور استراتيجي في عدد كبير من المحاور المرتبطة بإدماج حقوق الإنسان في السياسات العمومية وصورة المملكة حقوقيا على المستوى الدولي، وهي المهام التي تمكنت المندوبية من إنجازها باقتدار كبير في عدد من المحطات منذ إنشائها وأبان أطرها على كفاءات عالية في هذا الإطار، لكن وضع الصراع الحالي والمساس باستقلاليتها المؤسساتية في المرسوم، لن يكون سوى عاملا للرجوع إلى الوراء ولن يجد أبدا نفعا في تحقيق الحكومة لهذه المهام الاستراتيجية.

آخر الأخبار