من خطط لإهانة المغاربة واستفزازهم بحرق علمهم بباريس ؟

يطرح حادث إحراق العلم الوطني على هامش المسيرة التي نظمت بباريس من أجل المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية احتجاجات الحسيمة العديد من التساؤلات، تتوزع بين من خطط لهذه الإهانة المتعمدة لرمز من رموز السيادة المغربية؟ ولصالح من بالضبط تعمل مرتبكة هذا السلوك الجبان؟ ولماذا التزم منظموا المسيرة والداعون لها "الحياد السلبي" لحظة قيامها بحرق العلم المغربي؟ ومن المستفيد من هذا السلوك الأرعن؟
ربما نحتاج إلى وقت أطول من أجل الإجابة عن هذا الكم من الأسئلة بتفصيل لكن ما هو مؤكد، وانطلاقا من الألغاز التي يطرحها هذا العمل المدان، فإن هناك من يحاول توظيف ملف معتقلي احتجاجات الريف بهدف تمرير مواقف وسلوكات متطرفة ضد الدولة المغربية وخدمة أجندات أجنبية مشبوهة، وهذا ما يمكن لكل متتبع أن يستشفه من العديد من التصريحات والبيانات والمواقف.. بمعنى هناك من لا يريد لهذا الملف أن يجد طريقه إلى الحل، عبر الوقوف في وجه فتح المجال لعقلاء البلاد للحوار بهدف الوصول إلى توافق يرضي جميع الأطراف أو التشويش على هذا الأمر.
في المقابل، يجب الاعتراف أن هذا "ملف معتقلي الريف" أصبح محرجا للمملكة المغربية، خصوصا وأن العديد من المشار إليهم استغلوه دوليا من أجل الإساءة إلى مؤسسات الدولة المغربية. صحيح أن التهم الموجهة للمعتقلين في عمومها ذات صبغة جنائية محضة، إلا أن المسار الذي اتخذه الملف منذ بدايته الأولى -أي مع انطلاق الشرارة الأولى للاحتجاجات – بالإضافة إلى تركيز المنظمات الدولية وبعض الجمعيات الحقوقية على الصعيد الوطني عليه، جعل من اعتقال النشطاء على خلفية أحداث احتجاجات الحسيمة والنواحي ذو صبغة سياسية أو حقوقية مرتبطة بالحق في التعبير والتظاهر.
إن هذا الوضع الملتبس عبرت عليه أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بقولها في مقال بعنوان "طلقوا الدراري": "هناك خيط رفيع، لكنه حاسم. فاحتمال وجود ”دوافع سياسية“ وراء عمليات التوقيف أثناء أحداث الحسيمة أو جرادة احتمال وارد، وهو ما رجحه جزء من جماعة المدافعين عن حقوق الإنسان، إلا أنه لا يمكن القطع في ذلك بشكل لا يدع مجالاً للشك.
ومن المجحف أيضا رفض التشكيك في هذا الأمر، أخذا بعين الاعتبار مدة المظاهرات وظروفها. لن أحسم الآن في هذا الأمر، الذي تتجاوزه، كيفما كان الحال، مسألة أكبر وهي العنف".
لا يمكن إنكار أن ملف معتقلي احتجاجات منطقة الريف يجب أن يحل في إطار مقاربة سياسية، بعدما استنفد الملف مساره القانوني، عبر إقرار كل طرف وحتى مؤسسات الدولة بأخطائه في تدبيره. في هذا الإطار، يمكن أن يكون لـ"المجلس الوطني لحقوق الإنسان" دور محوري، فالمادة 10 من القانون المنظم للمجلس تنص على أنه "يمكن للمجلس، في إطار ممارسة مهامه، التدخل بكيفية عاجلة كلما تعلق الأمر بحالة من حالات التوتر قد تفضي إلى وقوع انتهاك حق من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية، وذلك ببذل كل مساعي الوساطة والصلح التي يراها مناسبة بتنسيق مع السلطات العمومية المعنية".
هذه المادة تحيل أساسا إلى دور الوساطة الذي يمكن أن يلعبه المجلس في هذا الملف، وهو الأمر الذي لمحت له رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش في أكثر من مناسبة. فعند مرورها بقناة ميدي 1 تيفي في برنامج حواري مباشر صرحت بشكل غير مباشر أن المجلس أن سينكب على إعداد مبادرة يمكن أن تساهم في حلحلة الملف.
كما أن بوعياش في مقالها الذي أثار الجدل بعنوان "طلقوا الدراري" لم تخف هذا الأمر، بقولها: "إن التقرير الذي سينشره المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعد مناقشته خلال جمعيته العامة، التي لم تمر سوى أيام قليلة على تنصيب أعضائها، سيقف على ظروف الاعتقالات والمحاكمات، وكذلك ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، وسيكون مناسبة أيضا لإجراء تقييم كامل لهذه الأحداث المأساوية التي شهدتها بلدنا والتي ستظل عالقة بذاكرتها، والتي انقسم بشأنها المغاربة بشكل كبير وتركت أثارا عميقة في ذاكرتنا المشتركة. لقد حان الوقت لمعالجة هذه الأثار. وإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ليعتزم القيام بهذا العمل بممارسة صلاحياته كاملة والدفاع بغيرة عن استقلاليته ويبقى شيء مؤكد: إن المجلس لن يخون أبدا الثقة التي وضعها الضحايا وعائلاتهم والمغاربة فيه".
في السابق، كان بعض الفاعلين المدنيين والحقوقيين يقومون بأدوار الوساطة في ملفات ذات طبيعة حقوقية بشكل غير معلن ويعملون على نزع فتيلها، لكن اليوم وخصوصا مع الإطار القانوني المنظم له يجب على المجلس الوطني لحقوق الإنسان القيام بهذا الدور في ملف معتقلي احتجاجات الحسيمة الذي أصبح له تأثير على صورة المغرب، عبر إعداد مبادرة يمكنها أن تلقى القبول من لدن مختلف المتدخلين في هذا الملف (الجمعيات الحقوقية الجادة، مؤسسات الدولة، المعتقلين وعائلاتهم..)، وهو ما تعكف عليه بوعياش على ما يبدو.
ومع الأسف فإن الأمر ليس بهذه السهولة، بحكم أن مجموعة من التصريحات الصادرة عن جزء من عائلات المعتقلين وبيانات بعضهم من السجن، ومبادرات أطلقتها جمعيات حقوقية دون أن يكون لها أفق خارج منطق الاحتجاج والتصعيد في وجه مؤسسات الدولة، والعمل الذي تقوم به أطراف انفصالية خارج أرض الوطن، كلها عوامل لا تساعد بتاتا على إيجاد حل لملف معقد وشائك.
في المقابل، يمكن للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن هو أراد المضي في تنزيل جزء من اختصاصاته الواسعة في هذا الملف، الاستفادة من التراكم الذي حققته "المبادرة المدنية من أجل الريف"، المكونة من عدد من الهيئات الحقوقية الرصينة، التي عملت على اللقاء بالأحزاب السياسية وبالمعتقلين في السجون، وأنجزت تقارير مرجعية موضوعية تخص ملف احتجاجات الحسيمة. فما أنجزته المبادرة وأيضا تقرير المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، يمكن أن يشكل لبنة أولى للمجلس من أجل الانطلاق في الوساطة من أجل الحد من تداعيات ملف معتقلي الريف.