تداول عدد من رواد شبكات التواصل الاجتماعي طيلة اليومين الماضيين تدوينات ساخرة من التحالف الذي جمع بين "البيجيدي" و"البام" على مستوى المجلس الجهوي لطنجة الحسيمة، كيف لا؟ وتصريحات قيادات الحزبان معا لم تتوان سابقا في كل فرصة أتيحت لها، في توجيه انتقادات حادة جدا للطرف الثاني واعتبار التحالف معه خطا أحمر.
كلنا يتذكر الحروب السياسية والكلامية والإعلامية بين هذين الحزبين، منذ تأسس حزب "الأصالة والمعاصرة" سنة 2008. كلا الحزبان وضعا معا الحزب الآخر عدوا وجعلا من هذه العداوة عقيدة سياسية.
وإذا كان رفاق بنشماش لم يوضحوا بعد سبب هذا التحول، الذي ليس تحالفا عاديا في جماعة قروية أو حضرية وإنما على مستوى جهة من أكبر جهات المملكة على المستوى الاستراتيجي، فإن إخوان سعد الدين العثماني أوضحوا في بلاغ للأمانة العامة للحزب، أن المشاركة بالأغلبية المسيرة لمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، ”كانت قرارا مؤسساتيا، سليما مسطريا“.
أمانة المصباح قالت في بيان إن الحزب يهدف من خلال هذا القرار الإسهام في الدفع بعجلة التنمية في هذه الجهة، واستدراك الخصاص المسجل في السنوات الأربع الماضية، ”رائدنا المصلحة العليا للجهة بكافة مواطنيها ومجالسها الترابية“.
لكن الغريب في هذا البيان ليس هو التحول في خريطة تحالفات الحزب المستندة على عقيدة سياسية معارضة للأصالة والمعاصرة فقط، وإنما الموقف المعبر عنه أيام قليلة بعد عقد التحالف بين الغريمين من طرف الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية بطنجة الحسيمة، جاء فيه بصريح العبارة تعليق للأمانة الجهوية حول انتخابات رئاسة الجهة جاء فيه تعبيرها عن "استهجانها ما يروج من محاولات التحكم في تشكيل التحالفات والأغلبية والأجهزة المسيرة الجديدة على مستوى جهتنا"، وشددت في البيان نفسه على أن "الاستمرار في منطق خلق أغلبيات هجينة هو تكرار لنفس سيناريو 2015 مع ما ترتب عنه من هدر للزمن التنموي".
إن هذا التحول الجذري في الموقف السياسي يطرح العديد من التساؤلات، فالجميع يتذكر كيف أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أفحم الأمين العام السابق لحزب "البام" بالاتهامات بالتحكم والتلاعب في إرادة الناخبين، أما البام فقد كان يتهم البيجيدي بخدمة المشروع الإخواني في المغرب، فما الذي حصل حتى يقع هذا التحول؟ موقع "الصحيفة" الإخباري ينقل لنا جزء من الجواب يتضمن كواليس اللحظات الأخيرة لتشكيل أغلبية المجلس الجهوي، فبعدما أبدت أحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية عدم رضاها على الطريقة التي وزعت بها مناصب نواب الرئيسة "المفترضة" آنذاك، فاطمة الحساني، ما جعل تلك الأحزاب تهدد بالانسحاب بل وبدعم مرشح حزب العدالة والتنمية سعيد خيرن، تدخل محمد الدريسي، الذي يوصف بأنه "أكبر ممول" للحملات الانتخابية لحزب الجرار بطنجة.
وبدعم من البرلماني العربي المحرشي ومجموعة من أعضاء "البام" البارزين بالشمال، تفاوض الدريسي والحساني مع أعضاء من الكتابة الجهوية لحزب العدالة والتنمية، وأبرزهم نبيل الشليح الكاتب الجهوي وعمدة طنجة البشير العبدلاوي المفوض لهما تدبير الملف إلى جانب المرشح سعيد خيرون ويضيف الموقع أن "البيجيدي" أبدى موافقته المبدئية على الانضمام للأغلبية مقابل حصوله على 3 مقاعد من أصل 8 مخصصة لنواب الرئيسة، لكن بعد أخد ورد رضي الحزب بمقعدين فقط أحدهما وهو الأهم، منصب النائب الأول الذي ذهب لخيرون بعد إعلانه عن سحب ترشحه مع بداية أشغال الجلسة.
تحالف وإن حظي بدعم الجهاز التنفيذي لحزب العدالة والتنمية إلا أنه لقي انتقادا من طرف عدد من قياديي "البيجيدي"، وهو الانتقاد الذي من المنتظر أن تتسع رقعته، فبينما قال البرلماني محمد خيي، نائب الكاتب الجهوي لـ"البيجيدي" بطنجة الحسيمة، إنه من الناحية الأخلاقية يبقى "قرار التحالف مع البام والمشاركة معه في المكتب، قرار فاقد للمشروعية"، لأنه لم يتم اتخاذه من طرف أي مؤسسة، صرح حسن حمورو: "نخبر الرأي العام بأن هناك محاولات للتحكم في تشكيل الاغلبية والاجهزة المسيرة لجهة طنجة تطوان، ونلمح الى ان هناك استمرار لمنطق خلق "اغلبيات هجينة" ، ونعتبر ذلك ضربا للجهوية المتقدمة. ثم بعد ذلك نعلن الترشح لرئاسة مجلس الجهة، لـ"ضمان مصداقية العملية الانتخابية"، بعد ذلك نعلن سحب الترشيح، فيُفاجأ الرأي العام بأن انتخابات رئاسة مجلس جهة طنجة تطوان جرت بمرشحة وحيدة من "البام"، وتكبر المفاجأة بانضمام حزبنا الى "الاغلبية الهجينة" وحصوله على نيابتين!!".
ولا يبدو أن النقاش نفسه موجود داخل حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي ربما قيادته منشغلة بتدبير حرب كسر العظام بين الإخوة الأعداء (تيار الشرعية وتيار المستقبل)، كما أن التحالف مع الغريم السابق لم يعقبه أي نقاش داخلي. والواقع أن خطوة هذا التحالف سبقتها بعض التلميحات والتصريحات، من قبيل ما صرح به عبد اللطيف وهبي القيادي في تيار المستقبل بدعوته إلى تحالف مع "البيجيدي"، أو عند استقبال العثماني لحظة تعيينه رئيسا للحكومة للأمين العام السابق لحزب "البام" إلياس العماري خلافا لسابقه بن كيران الذي لم يكن ليرضى حتى بمجرد اللقاء مع قادة هذا الحزب ووزع عليهم عشرات الاتهامات.
إنه من الخطأ اعتبار هذا التحالف على مستوى جهة طنجة الحسيمة غير ذي معنى سياسي، وإنما هو من دون شك يفتح المجال أمام تطبيع سياسي بين الحزبين، بعدما اتضح لهما ربما أن هناك منافسة من قوية من أقطاب حزبية منافسة وأساسا حزبا الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار. فالتحولات التي يعرفها الحقل السياسي والحزبي وضعت الحزبين اللذين يملكان أول وثاني أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب تواليا، في وضع غير مريح داخل الساحة السياسية المحكومة برهانات انتخابية كبيرة في 2021.
ولهذا ذهبت مجموعة من التعليقات إلى أن هذا التحالف يراد منه عزل حزب "التجمع الوطني للأحرار" في المستقبل، وهو ما عبر عليه وهبي بصريح العبارة في تصريح صحافي، فبعدما أوضح أن تحالف الحزبين في جهة الشمال "إشارة مهمة من الناحية السياسية ودليل على صفحة جديدة من العمل السياسي النبيل الذي يرفض الاقصاء"، أكد أن حزب "الحمامة"، "يقوم بتصرفات تضر بالعمل السياسي وهذا ناتج عن عدم إلمامه بالتعامل السياسي المنطقي"، مشدد على أن "تيار المستقبل لا يقوم بتحالفات ضد حزب معين ولكن يده ممدودة للجميع".