تنقيب "آركيولوجي" في النظام الانتخابي المغربي

الكاتب : الجريدة24

24 يناير 2020 - 11:00
الخط :

هشام رماح

ارتدى رشيد لزرق، الدكتور في العلوم السياسية والخبير في القانون الدستوري والشؤون السياسية، لبوس المنقب "الآركيولوجي" للنبش في ثنايافي المسألة الانتخابية بالمغرب، وقد تناولها بالدراسة والتحليل مرتكزا على بروز الانتخابات الحرة والنزيهة كشرط من شروط تحقق الديمقراطية وفق ما تقدم به أعلام العلوم السياسية.

وفيما انطلق لزرق من بديهية انعدام تفسير موحد لمصطلح الديمقراطية، يعتقد جزما بأن هكذا تعدد في المفاهيم انعكس بدوره على تحديد مفهوم موحد للانتخابات الديمقراطية، إذ عرف جوزيف شومبيتر الديمقراطية بـ"مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة، فيما اتجه روبرت دال" إلى كونها مجموعة من المعايير القاطعة التي تُحدد معالم الانتخابات الحرة والنزيهة، كما لا توجد منهجية واحدة يمكن من خلالها وضع مؤشرات محددة وشاملة للانتخابات الديمقراطية.

واعتبارا لوجهة نظر "روبرت دال" يقدم الخبير في الشؤون السياسية الانتخابات على أنها "ذروة الديمقراطية وليس بدايتها" لأنها لا تسبق الديمقراطية، ولا تنتج لا الديمقراطية ولا الحريات والحقوق، وإنما هي إجراء ديمقراطي لا يكفي بذاته لخلق ديمقراطية سلمية، وذلك لكون الفكر الديمقراطي مبني على ضرورة احترام الحريات والحقوق الأساسية مع ضمان الحوار بين الحاكم والمحكوم، كما جاء في الكتاب الذي صدر هذا الأسبوع.

وعرج الدكتور لزرق على التراكم التاريخي الذي يعرفه النظام السياسي المغربي على ضوء التجارب الدولية باعتبار هذا التراكم التاريخي في الانتخابات في الدول الغربية شكل الوسيلة الوحيدة للوصول للسلطة، وأضحى مبدأ راسخا في الأنظمة الليبرالية، كإفراز للحياة المشتركة للمجتمعات البشرية، التي تترتب عنها صراعات مريرة وعنيفة، سببها التدافع الطبيعي بين مصالح الأفراد واختلاف تطلعاتهم، وخاصة مراكزهم في المجتمع بين حاكم ومحكوم، وهو الاختلاف الذي كان عالج في السابق بأساليب عنيفة، كالثورات والحروب الدامية، بما فرض البحث عن ممارسة ذات طابع سلمي وحلول تدريجية لهذا الصراع، وقد تم ذلك باللجوء إلى تقسيم السلطة في المجتمع عبر اختيار المسؤولين الأكفاء والبرامج الفعال لتسيير الشؤون العامة للمجموعة، ومن تشكل الوعي بنجاعة الانتخابات وتقنيات الاقتراع كوسيلة لا غنى عنها لتحقيق ذلك التنظيم الجديد للمجتمع.

ومن خلال النبش في "كرونولوجيا" الانتخابات وتحديد مفاهيمها، يعتبر مؤلف كتاب "المسألة الانتخابية بالمغرب" أن الانتخاب في جوهره هو أداة للمشاركة السياسية الشعبية، وتسيير للشأن العام، عن طريق الهيئات التي تنتخب لهذا الغرض، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، فيما تؤدي هذه المشاركة بالضرورة إلى إثارة المنافسة بين الفاعلين فيها بصفتهم ناخبين أو منتخبين.

ولأن الديمقراطية لا تحدد أسسها وفق نظريات إيديولوجية فقط، بل هي نتاج لظروف الاجتماعية و السياسية والتراكمات التاريخية، ارتأى الخبير في القانون الدستوري والشؤون السياسية عدم الاقتصار على النصوص الدستورية والقانونية بغية التعرف على البيئة السياسية والإطار الاجتماعي، للإجابة على إشكالية مدى قدرة النظام الانتخابي المغربي بمفهومه على توفير تحصينات ديمقراطية فيما يخص المنافسة السياسية؟

ويستند الدكتور لزرق، في دفاعه عن أهمية تمحيص "المسألة الانتخابية في المغرب"  على التحولات التي باتت تعرفها بعض الدول على المستوى الإقليمي، فمن خلال متابعة الحراك الأخير الذي شهدته المنطقة العربية، والذي طرح موضوع الانتخابات كوسيلة لتعيين الحكام، فضلا عن الأهمية المتميزة للانتخابات في المغرب، باعتبارها تجربة ديمقراطية ناشئة، تشهد محاولة تكريس الخيار الديمقراطي وممارسة التقاليد الحرة في تعيين الحكومات بالكثير من الصعوبات والعراقيل التي تترجم الصراعات الاجتماعية وتجاذب موازين القوى بين مختلف التيارات السياسية الفاعلة في المشهد السياسي.

آخر الأخبار