تشاء الأقدار القانونية، أن يأمر قاضي التحقيق بالدار البيضاء بإيداع الصحفي سليمان الريسوني رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بعكاشة في قضية هتك عرض شخص باستعمال العنف والاحتجاز، وذلك بالتزامن مع قرار مماثل يتخذه الوكيل العام للملك بالرباط، والذي يقضي فيه بوضع طبيب أخصائي في طب الأطفال بسجن العرجات على ذمة قضية مماثلة، تتعلق بالتغرير بقاصرين وهتك العرض.
وتأبى الصدف والأقدار القانونية إلا أن تستكمل مضلع هذا الثالوث، حيث قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بتطوان، في نفس الأسبوع، إيداع عميد شرطة رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن"الصومال" في قضية مماثلة في العناصر التأسيسية المادية والمعنوية للجريمة، لكن مع اختلاف في جنس الضحية، التي هي خادمة في قضية العميد، وذكور في قضية الصحفي والطبيب.
وإذا كانت الأقدار القانونية قد احترمت المنطق التشريعي، والمساواة الدستورية أمام القانون، وعمّمت بذلك قرار الاعتقال الاحتياطي على الجميع بدون استثناء، وبتجرد تام عن صفات المتابعين ومراكزهم القانونية، غير أن "تجار حقوق الأزمات" و"مناضلي اللجان التضامنية المحدثة على المقاس" كان لهم رأي آخر، شاذٌ في مرتكزاته، وفريد في تعليلاته، كما هي مواقفهم المألوفة في القضايا المماثلة في السنوات القليلة الماضية.
ففي الوقت الذي أطبقت فيه "الحرية الآن"، ومالك أصلها التجاري المعطي منجب، كافة جوارحهما في قضية الطبيب والعميد، من منطلق أنها قضايا جنائية عادية، إلا أنهما بادرا في المقابل بإصدار التدوينات والبيانات المتواترة وأحدثا اللجان التضامنية في قضية سليمان الريسوني، المتماثلة في الأركان التكوينية للجريمة، وكأن لسان حالهما يلهج" إن التضامن الحقوقي مشروط بالزمالة والصداقة"، أو " أن سليمان الريسوني يتمتع ربما بامتياز قضائي وحصانة ضد المتابعة لكونه من مؤسسي الحرية الآن".
فهذه "البدعة الحقوقية" التي يحاول المعطي منجب وخديجة الرياضي ومحمد رضى التقعيد لها في المشهد المغربي، من إخلال "الإسهال والابتذال في إحداث اللجان التضامنية، لا يمكن اعتبارها مجرد وسيلة محفزة على الإفلات من العقاب فقط، بل هي آلية للتمييز والتفرقة بين مختلف الخاضعين للقانون، وهي أيضا وسيلة لإثارة "النعرات التضامنية" في صفوف المهن والحرف التي يتابع منتسبوها في قضايا جنائية.
ولئن كان محيط سليمان الريسوني قد تحدث مُسهبا عن عبثية "الصدفة المقدّرة" في التهم الأخلاقية المنسوبة لهذا الأخير ومدير نشره السابق، وكأنهم يدفعون عنهم مسبقا شبهة الجرائم الأخلاقية والاعتداءات الجنسية، إلا إننا نتساءل معهم هذه المرة بصيغة أخرى: هل هي أيضا "الصدفة المقدّرة" التي قادت الطبيب والعميد إلى الاعتقال الاحتياطي في نفس الأسبوع، ومن أجل نفس التهم الجنسية التي يتابع بموجبها سليمان الريسوني؟
إن الحديث عن "ترتيبات الصدف ومشيئات الأقدار" في قضايا جنائية هو كلام موغل في السطحية، غارق في لاهوت الغيبيات، وينطوي أيضا على جهل مطبق بالقانون وبالمنطق التشريعي. فالمحدد الأساسي في هذا النوع من القضايا الإجرامية هو الركن المعنوي أو القصد الجنائي، أي انصراف إرادة الشخص إلى ارتكاب جريمة ما، مع تحقق الفعل المادي في جرائم النتيجة، أو حتى بدون تحققه في بعض أنواع الجرائم الشكلية.
وإذا كانت جميع هذه القضايا الأخلاقية قد عرفت مؤازرة الدفاع، وانتصاب المحامين، إلا أن الملاحظ، مرة أخرى، أنه في قضية العميد والطبيب لم تسجل أية تراشقات إعلامية لأسرة الدفاع، بيد أن قضية الصحفي تأبى لوحدها إلا أن تشكل استثناءً في الدفاع كما شكلت استثناءً في الإمعان في ازدراء الضحية وتبخيس حقه في الاقتصاص القانوني. فقد انبرى أصحاب البذلة السوداء، ملتحفين أردية أخرى غير بذلتهم المهنية، للحديث إعلاميا عن قضية كانوا لازالوا يتكهنون بما فيها، ومع ذلك جزموا بأن المتهم يجهل قطعا الضحية، وكأن المجني عليه هو مجرد طيف من أطياف قوس قزح الذي يشكل شعار مجتمع "الأقليات الجنسية".
إن الأصل في هذا النوع من القضايا هو انتظار مجريات البحث والتحقيق، مع احترام يقينية البراءة طبعا، لأن "النزق الحقوقي" الذي يتبناه المعطي منجب ومحمد رضى وخديجة الرياضي ومن معهم يشكل في حد ذاته استهدافا وضربا لمصالح باقي أطراف الدعوى، أكثر ما يشكل اصطفافا إلى جانب المتهم. كما أن استباق التحقيقات القضائية والانتصار لنظرية المؤامرة فيه نوع من التشجيع على الإفلات من العقاب في حال ثبوت الأفعال الجرمية، فضلا عن كونه أسلوب غير سليم من الناحية الحقوقية لما فيه من تجزيء لكونية وشمولية حقوق الإنسان، وتصنيف منحاز لفئات الخاضعين للقانون وفق حسابات سياسية وخلفيات إيديولوجية بعيدة عن التضامن الحقوقي الصرف.