"أوركيسترا" سيدي سعيد..رحلة "بطولة" من البؤرة إلى صفر حالة

الكاتب : الجريدة24

03 يونيو 2020 - 04:30
الخط :

في المعركة التي يخوضها المغرب ضد وباء كورونا ظهرت بعض الرموز والشخصيات على شاشات التلفزيون وأخرى على منصات مواقع التواصل الإجتماعي أثارت إعجاب المغاربة ربما بفن من فنون جذب الجماهير أو قدرة تواصلية أو كاريزما شخصية، لكن عددا كبيرا من جنود الخفاء الذين يجابهون الموت في كل يوم لم تكن لهم ربما فرصة إلقاء التحية على الرأي العام وأن يحيوا بأحسن منها.

دكتور مصطفى عكاوي، رئيس مصلحة كوفيد 19 بمستشفى سيدي سعيد بمكناس، واحد من هؤلاء الذين قدموا للمغاربة "زهرة" في خضم "رحلة عسيرة من البؤرة إلى صفر حالة".

الجريدة24 استمعت له ولتفاصيل هذا المسار بنبرة "متواضعة" وتقدم لكم ضمن هذه الفقرات خلاصاته.

تظافر الجهود وتناغم استثنائي
أكد الدكتور عكاوي أن اللحمة في العمل بين المتدخلين والأطباء والممرضين وباقي الفاعلين كان لها دور مهم في تحصيل نتائج إيجابية على مستوى المدينة بالإضافة إلى المساهمة المميزة للطب العسكري.
منذ اكتشاف أول حالة شكل الطبيب وفريقه لجنة علمية تعقد يوميا وسبعة أيام على سبعة أيام، لا يعرفون أيام عطلة أو سبت و أحد، وفي تلك اللقاءات المسائية كانوا يتداولون في جميع الحالات التي يتم استقبالها وفي تطور الأعراض التي أظهرتها التحاليل، حتى إذا كان هناك احتمال ظهور بعض المشاكل العرضية يتم التحكم في رصدها بشكل مسبق ومعالجتها.
أما الآراء بهذا الخصوص فقد كانت نتيجة لمشاورات "متعددة الاختصاص" يشارك فيها ب الانعاش و القلب والشرايين والجهاز التنفسي والطب النفسي..

وللاعتناء بصحة المرضى النفسية، وفي ظل غياب طبيب نفسي بالمشفى العمومي اضطر فريق سيدي سعيد للتواصل مع "طبيب صديق" للالتحاق بصفهم، فكذلك كان إذ أغلق عيادته والتحق بهم، وكان يحضر يوميا ويرتدي اللباس الواقي ويلج غرف المرضى من أجل المؤازرة النفسية.

الوقاية قبل العلاج
جزء آخر ينضاف لنجاح "مكناس" متعلق بطاقم الرصد المكلف بالبحث عن الحالات المشبوه فيها إما عن طريق تتبع اتصالات المواطنين عبر "الو يقظة" أو تتبع أثر من يزورون المستشفيات أو من يزورون العيادات الخاصة. وكانت الخلية تتخذ قرارا بالتدخل فورا أو بعد الاستشارة مع لجنة علمية تدقق في تفاصيل الحالات.
وقد كان للخلية دور كبير في الإحاطة برحلة مصر التي جلبت عددا من الإصابات في الوقت الذي لم تكن مصر تعد ضمن الدول الموبوءة "ايران الصين ايطاليا وكوريا الجنوبية" حينها "قررنا تلقائيا القيام بتحاليل للقادمين من هذه الرحلة بالنظر لتطور الحالة الوبائية في العالم. فكان تدخلا حاسما منع انتشار الوباء في مكناس"، خطوة الإحتواء هاته كانت دافعا لوزارة الصحة من أجل تعميم مذكرة تؤكد على ضرورة إجراء تحاليل للقادمين من الرحلة ذاته بمختلف ربوع المملكة.
ويتم لحد الآن إنجاز ما مجموعه 330 تحليلة في اليوم بالرغم من تسجيل صفر حالة بالمدينة منذ عيد الفطر.
كما تم القيام بتحاليل لسائقي سيارات الأجرة والعاملين بالشركات والمصانع وكل القطاعات الحيوية بالمدينة التي عادت لنشاطها الاقتصادي.

الوضعية الوبائية الحالية
"متحكم فيها" يقول عكاوي، و جميع الحالات التي سجلت بالمدينة "119" شفي من بينها 105 فينا توفي 14 شخصا، حالتين بالمستشفى العسكري و12 حالة بسيدي سعيد.
وحذر الدكتور من انتكاسة في حال عدم التزام المواطنين بالحجر "لسنا في منأى عن انتكاسة اذا لم يلتزم المواطنون بالحجر الصحي".

جدل الدواء

تعليقا على ما أثاره العلاج بالكلوروكين من جدل في بعض الدول والدعوات لإيقاف استعماله قال الطبيب أن هذا ليس جديدا عليه وعلى الطاقم الطبي، فهم يعرفون متى يجب استعماله ومتى ينبغي تجنبه، ويعلمون أن الدواء ينقص من حدة انتشار الفيروس وتكاثره وليس لقاحا يقضي على كورونا،  إلا أنه يبقى الوسيلة الوحيدة التي يمكن مواجهة المرض عن طريقها في ظل غياب اللقاح عالميا.

لذلك قام الطاقم الطبي بالإشتغال على "تأمين إعطاء الدواء" أي اختيار الأشخاص الذين يمكنهم التداوي به بدقة وتحديد الأشخاص الممنوعين منه والتوسل بالاحتياطات التي يجب اتخاذها في هذا لباب.. كالقيام ب"تخطيط للقلب" قبل إعطاء الجرعة الاولى للدواء وتخطيط بعد أربع ساعات من تناوله وبعد 24 ساعة أيضا، لمعرفة إن كان يؤثر على وتيرة نبضات القلب وفي حال حصل ذلك "نتوقف عن استخدام الدواء أو نخفض الجرعات أو نغيره بأدوية أخرى لها نفس المفعول لكنها آمنة، وكل هذه الخطوات كانت تقرر في قلب اللقاءات اليومية التي كان يقوم بها الاطباء" وبالتالي فإن المناطق و البلدان التي سجلت وفيات بسبب الكلوكين كانت تقدم الدواء بطريقة عشوائية دون القيام بمراقبة وفحص.

بروتوكول محلي
من بين اسباب نجاح تجربة سيدي سعيد العمل على تحديد بروتوكول محلي يتماشى مع توجيهات الوزارة، وتضمن هذا البروتوكول شروط العلاج بالكلوروكين وكيفيات تطبيق أدوية اخرى تستخدم ضد تجلط الشرايين وهو اجتهاد طبي مغربي تم بين جنبات المستشفى المذكور قبل صدور دراسة إيطالية تتحدث عن انسداد شرايين مرضى كورونا والتسبب في وفاتهم.

تجربة عكاوي الإنسانية
لم تكن خطورة المرض تشكل له عنصرا جديدا بحكم اشتغاله لسنوات بقسم المخاطر "الإنعاش" لكن التخوف كان يسكنه كلما فكر في أنه يمكن ان يتسبب في نقل العدوى لأسرته إلا أن خيار التضحية والقرب من المرضى كان الطريق الوحيد أمامه للتمكن من كتابة نهاية سعيدة لرحلة المتاعب.
ويعتبر عكاوي الذي امتهن الطب لأزيد من 18 سنة كورونا "فرصة لنقوم بجزء من الجهاد الذي قام به مناضلو المغرب ضد الاستعمار وضد المجاعات التي عرفها الوطن عبر التاريخ" وختم قائلا "شكرا لكورونا لأنه غربل المغاربة وأظهر الصالح من الطالح والحمد لله أن الغالبية العظمى من الفئة الأولى"..

آخر الأخبار