بنكيران والعثماني..هذا ما جنياه على الإقتصاد المغربي في 10 سنوات

الكاتب : الجريدة24

19 يوليو 2021 - 06:00
الخط :

احمد الحليمي

تقوم المندوبية السامية للتخطيط بإعداد الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2022، التي تقدم مراجعة للنمو الاقتصادي الوطني لسنة 2021 وكذا استشراف آفاق تطوره خلال سنة 2022.

وستمكن هذه الميزانية،الحكومة الجديدة وأصحاب القرار،عبر التطور الاقتصادي المرتقب لسنة 2022، من تسطير توجهات سياساتهم، حيث تشكل هذه الميزانية إطارا مرجعيا لتحديد الأهداف الاقتصادية، مدعمة بالتدابير المرتقب تنفيذها، خاصة في إطار القانون المالي لسنة 2022.

ويرتكز إعداد هذه الميزانية الاقتصادية على المؤشرات والمعطيات المؤقتة لسنة 2020 الصادرة عن المحاسبة الوطنية وعلى نتائج البحوث الفصلية وأشغال تتبع وتحليل الظرفية التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط خلال النصف الأول من سنة 2021.

كما تعتمد هذه التوقعات على مجموعة من الفرضيات المتعلقة بتطور العوامل الخارجية التي تؤثر على الاقتصاد المغربي، سواء على الصعيدين الوطني اوالعالمي.

وتعتمد الآفاق الاقتصادية لسنة 2022، على سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2021-2022 وعلى فرضية نهج نفس السياسة المالية المتبعة خلال سنة 2021، خاصة فيما يتعلق بالسياسات العمومية التي يتعين تنفيذها لتحقيق الإقلاع الاقتصادي.

أهم المؤشرات الماكرو اقتصادية

في الأشهر الأخيرة من سنة 2019، ومن خلال خريطة الظرفية الاقتصادية في المغرب التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية، قادتنا توقعات سنة 2020، إلى استنتاج بداية دورة جديدة في اتجاه محمود لاقتصادنا الوطني خلال هذه السنة، رغم سنوات الجفاف المتتالية التي عرفتها نهاية العقد 2010-2020. إن هذا الاستنتاج، في نظرنا، ليس مرتبطا بنوع ما من أنواع نظريات الدورات الاقتصادية، والتي تبقى، اليوم، غير فعالة في سياق الاقتصاد الحديث، ولكن نتيجة لتحليل الأبعاد المجتمعية التي كانت تشكل دائما الدينامية العميقة لنماذج ومستويات اقتصادنا الوطني خلال كل عقد من هذه العقود.

إجمالا، إن تحليل الوضعية في بلادنا خلال سنة 2020 وآفاق تطورها خلال سنة 2021، بغض النظر عن المعطيات الاقتصادية الصادرة عن الميزانية الاقتصادية الاستشرافية التي نقدمها كما جرت العادة خلال كل سنة، والتي تتضمن في نسختها الحالية تداعيات العواقب الوخيمة للوباء الخطير لكوفيد -19، يحيلنامع ذلك إلى تعزيز توجهاتنا التي نتوقعها ملائمة خلال العقد المقبل، وذلك رغم التعقيدات والصعوبات الفريدة التي تميز السياق العالمي الاقتصادي والصحي الذي تتطور فيه.

إن العولمة، التي تم تقديمها أثناء ظهورها أنها العولمة السعيدة، تمددت فجر القرن الحادي والعشرين على شكل مشهد اقتصادي عالمي تسيطر عليه الشركات المتعددة الجنسيات في مواقع الهيمنة على أسواق رؤوس الأموال والكفاءات العلمية والتكنولوجية على حساب قيم النمو والأسر بصفة عامة، والتي تعرف العديد منها تفاقما في مديونيتها المزمنة، مصحوبة في نفس الوقت بضعف الاهتمام بالمحافظة على الموارد الطبيعية للكوكب وبالمنحى التصاعدي للتفاوتات الاجتماعية والإقليمية بين الدول، والمناطق، وداخل كل منها.

في الوقت الذي لم تتوقف الدول، التي تشكل اقتصاداتها عادة قاطرة للنمو العالمي، عن مواجهة الآثار الكارثية للأزمة المالية الخطيرة لسنوات 2008-2009، بنوع من الاضطرابات المالية والنقدية، أصبح من البديهي أن هذه الأخيرة لم تكن نتيجة حتمية لهيمنة المجال المالي على العولمة في مستوى من مستويات تطورها، ولكن بشكل أساسي، كما سبق أن أعلننا في الكثير من تحليلاتنا منذ أزيد من عقد من الزمن، نتيجة لاستنفاد نموذج نموها الاقتصادي.

في ظل هذا الظروف، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستفيد من أفضلية الوضع المتميز للدولار، بنهج سياسة قوية لدعم العرض لمسايرة التقلبات الاقتصادية الظرفية وحاليا لتحفيز الطلب، في سياق يعرف شبه حرب باردة مع الصين وحلفائها. كما لجأت هذه الأخيرة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها للنمو الاقتصادي، حيث قامت بإعادة هيكلة شركاتها الكبرى، مع طموحها المزدوج والثابت في اكتساب القدرة التنافسية في ميادين التكنولوجية والفضاء لمواجهة نظيرتها الولايات المتحدة الأمريكية وتقوية تواجدها على الساحة الدولية. وبخصوص أوروبا، وأمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واستمرار تباعد وجهات النظر بخصوص النظرية الاقتصادية والرؤية الاجتماعية بين الشمال والجنوب، فإنها قامت بنهج سياسة نقدية ذات "نمط نظمي"، مع تحمل الدول النامية أعباء أمن حدودها وأزماتها الاجتماعية وهويتها. ومن جهتها، تأثرت الاقتصاديات النامية بانكماش التجارة العالمية وتقلبات الأسواق، نتيجة ضعف الانفتاح الخارجي لمقاولاتها ومديونية دولها، وعدم قدرتها الاستفادة من السيولة المالية التي أغرقت الأسواق الدولية والتي استفادت خاصة من القيم الاستراتيجية، وكذلك من وتيرة النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة.

في ظل هذه الظروف، التي تأثر من خلالها العالم بتداعيات فيروس كوفيد -19، أحد أخطر الأوبئة على الإطلاق وأكثرها فتكا وغموضا، تفاقمت العجوزات وتأجلت مخططات الإقلاع الاقتصادي إلى آفاق غير محددة، في انتظار استعمال أكبر للمدخرات المتراكمة من طرف الأسر خلال فترة الحجر الصحي وعودة الارتفاع المبتغى للتضخم.

من خلال تعبئة إمكانياتها الصناعية والتكنولوجية والموارد المالية غير المحدودة التي توفرها لها بنوكها المركزية، تمكنت الدول الغربية من إنتاج أو اقتناء اللقاحات اللازمة لحماية سكانها بشكل عاجل وتأمين جرعات إضافية لها من اللقاحات، وبالتالي تزايدت حدة الانقسام بينها وبين الدول النامية. هذا المصدر الجديد لمشاعر الهجر الجائر والإحباط والمرارة الذي تعانيه هذه الأخيرة، في قبضة الوباء، يتعين تقييمه من طرف المجتمع الدولي، بناء على عواقبه الجيوستراتيجية ومخاطر انتشار بؤر أخرى لعدم الاستقرار في العديد من مناطق العالم.

في ظل هذا الوضعية، سيستعيد النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة حيويته خلال سنة 2021، مع تباين في الزمن والمستوى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من جهة وأوروبا من جهة أخرى. في حين يبدو هذا النمو صعب الإدراك وبشكل كبير في الدول النامية، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وفي الهند كقوة اقتصادية عظمى، والتي عرفت جميعها، تدهورا كبيرا لإمكانيات إنتاجها وللوضعية الصحية والاقتصادية لمواردها البشرية.

في هذا السياق الأكثر تعقيدا والذي لم يسبق أن عاشه العالم بأسره، عرفت المملكة المغربية، القوية بالمكانة الدولية والمتميزة الذي يتمتع بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس على الصعيد العالمي وبالتوجيهات الملكية السامية، كيف تدافع عن سيادتها ومصالحها العليا بشكل هادئ وتعزيز وزنها المتميز على الساحة الدولية، نتيجة الامتيازات السيادية التي قادت إلى الدينامية الجديدة التي تعرفها، على المستوى المؤسساتي، عبر تنزيل المؤسسات والآليات المنصوص عليها في دستور 2011، خاصة ذات الرؤية التشاركية، وعلى المستوى الاقتصادي، عبر سياسة عمومية استباقية للتنويع الصناعي للاقتصاد الوطني.

في هذا الإطار، يتخذ المشروع الصناعي الكبير لتصنيع اللقاحات، الذي أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقته، بعدا لمبادرة تجسد هذه الصلاحيات، حيث يتجاوز مداه نطاق الأهداف الخاصة التي يتعين تحقيقها. ويقدم هذا المشروع كما لو كان نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه محتوى مفهوم السيادة الاقتصادية التي أرفقها جلالته بهذا المشروع. ومن خلال التنوع السياسي والدولي للشركاء الذين تمت دعوتهم من أجل تنفيذ هذا المشروع المشترك، فإن هذا المفهوم، بعيدا عن مغزى الاكتفاء الذاتي، هو بالأحرى نداء لنهج سياسات عمومية يكون دائماالقرار السيادي فيهامنفتحا على العالم ويأخذ بعين الاعتبار التضامن الإقليمي في علاقات جنوب -جنوب.

يتضمن هذا المفهوم، في بعده العملي، عودة قوية لدور الدولة، بشرعيتها التاريخية وحمولتها الشعبية والدستورية. دائما ذات استراتيجية محددة. دائما مسؤولة عن التنظيم. ولكنمنمية بأكثر عزم. دور يقود الدولة للمبادرة من أجل عقد شراكات مع رأس المال الخاص، الوطني والدولي، ومع الجماعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني لتكوين مشاريع مشتركة متعددة الأبعاد، الاقتصادية أو المالية،في إطار التخطيط الاستراتيجي، حيث تتعزز متطلبات الإصلاحات الاقتصادية والمجتمعية ببعدي السيادة والديمقراطية.

في هذا الصدد، نعتقد أن النقاش الوطني حول النموذج التنموي الجديد، بناءً على التفكير الذي أجرته اللجنة الوطنية المحدثة لهذا الغرض، يجب أن يطلق بشكل مناسب للغاية تعبئة القوى الحية للأمة، للانفتاح على الميثاق الوطني للتنمية الذي نحن مدعوون للانضمام إليه، من خلال الاستخدام الجيد لمفهوم السيادة الاقتصادية والمساهمة في منح عقد 2020 الينابيع المجتمعية لدورة جديدة من النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي.إن تداعيات مثل هذا النقاش ستجلب قيمة مضافة حقيقية لدورة النمو الجديدة ذات الطبيعة التشاركية والمجتمعية والسيكولوجية وبالتالي الاقتصادية.

في هذا السياق، سيتعين على كل مؤسسة وطنية المساهمة في إضاءة السياسات العمومية، من أجل أفضل تنفيذ ممكن لتوصيات عمل اللجنة الوطنية، خلال الهيئات التشريعية المقبلة.

وفيما يخص المندوبية السامية للتخطيط، فإنها تركز أعمالها، على وجه الخصوص، على ثلاثة إصلاحات نعتقد أنها ضرورية لعكس الاتجاه التنازلي الذي يشهده نمونا المحتمل، الذي انخفض معدله من حوالي 4.8%كمعدل سنوي متوسط بين عامي 2000 و 2008 إلى ما يقرب 3.3% بين عامي 2009 و 2019 لينزل إلى 1.4% في عام 2020.

وقد ركزت هذه الأعمال على ثلاثة عوامل داخلية تكمن في أصل هذا التراجع الذي يثقل كاهل إنتاجية اقتصادنا: مشكلة الشغل و البطالة في فترة ما بعد كوفيد، ومشكلة ما يسمى بالقطاع غير المنظم والذي نفضل تسميته " بالمجال غير المنظم " بسبب تقاطعه القطاعي، و ثالثا تأثير هتين المشكلتين على التفاوتات الاجتماعية و المجالية في بلادنا. وإننا نعتزم، مع بداية الدخول المقبل، القيام بدعوة إلى مناقشة نودها أن تكون على المستوى الوطني حول هذه الأعمال، ونأمل بهذه الطريقة تقديم مساهمة إضافية لتحليلات بعض توصيات النموذج التنموي الجديد.

خواطر على هامش هذه الميزانية الاقتصادية الاستشرافية

في نهاية هذه المقدمة، نود أن نبدي بعض الخواطر حول المقتضيات الدولية لمفهوم السيادة الاقتصادية. ويبدو لنا أنه من المفيد للغاية، على هذا المستوى، أن يفتح نقاش جديد مع المؤسسات المنبثقة عن اتفاقات بريتونوودز وذلك من أجل إعادة تقييم تصورها وتحليلاتها لإشكالية النمو الاقتصادي للبلدان السائرة في طريق النمو، مع الدمج في هذا التقييم لدروس تجاربنا المشتركة على ضوء التحولات العميقة التي عرفها العالم على مدار ما يقرب قرن من الزمن، والتي طالت أنماط الإنتاج والتبادل والاستهلاك كما طالت حاجيات وتطلعات الإنسانية.فكل هيئة وطنية أو دولية مطالبة أن تراجع نفسها للتكيف مع متغيرات محيطها، تحت طائلة أن يكون هنالك صرح ما بين تفكيرها والواقع.

من خلال التفكير المستقبلي في مفهوم السيادة الاقتصادية وانعكاساتها، سيكون هناك بالتأكيد بين هذه المؤسسات "أرواح معتادة"، كما قال "آلان"، على بعث أشباح مديونية سنوات الثمانينات من القرن الماضي والتلويح بفأس التقويم الهيكلي.

إن المديونية اليوم هي من حصة جميع بلدان العالم. فيما لازال، في نظرنا، مستوى مديونية بلادنا قابلا للتحكم فيه.  وبالتأكيد هنا كحلول ممكنة لتخفيف عبئها على الطاقة التنموية لبلادنا أو على الأقل لابتكار تدبير أنجع لإدارتها.ونأمل أن يتم فتح نقاش حول هذه المسألة التي قد تكتسي، في رأينا، أهمية آنية في الوقت الحالي.

انتعاش قوي ومتباين للاقتصاد العالمي

سيعرف النمو الاقتصادي العالمي، بعد ركوده التاريخي ب %3,5سنة 2020، انتعاشا ب %5,6سنة 2021 و%4,3 سنة 2022 ، نتيجة التدابير التحفيزية المهمة المتخذة من طرف مختلف الدول. ويعزى هذا الانتعاش الاستثنائي أساسا، إلى النمو القوي الذي ستسجله بعض الاقتصاديات الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية والصين. غير أن آفاق النمو في العديد من اقتصاديات دول جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية، ستبقى هشة وغير مؤكدة، حيث لن تصل وتيرة نمو الإنتاج الاقتصادي في معظم دول العالم إلى مستوى تلك المسجلة قبل الجائحة، إلا خلال سنتي 2022 أو2023.

ويعزى هذا التباين في النمو أساسا، إلى الاختلافات في الاستراتيجيات المتبعة من طرف السلطات العمومية لمواجهة الأزمة الصحية، والصعوبات البنيوية التي كانت تعاني منها اقتصاديات بعض الدول قبل الأزمة وقدرة تكيف أنشطتها مع قيود الحجر الصحي. وهكذا، ستستعيد الاقتصاديات التي تعتمد أنشطتها على الصناعات التحويلية حيويتها سريعا خلال فترة الإقلاع، في حين سيكون انتعاش الاقتصاديات التي ترتبط بأنشطة السياحة وبالمواد الأولية بطيئا وهشا.

غير أن هذه الآفاق الاقتصادية العالمية تبقى رهينة بالعديد من العوامل. بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بالأزمة الصحية، يبقى الارتفاع الكبير في المديونية العمومية مقلقا خاصة في اقتصاديات الدول الصاعدة والنامية،وكذا تأثر انتعاش الاقتصاديات الموجهة نحو التصدير بالضغوطات الممارسة من طرف التيارات المحافظة.

في الولايات المتحدة الأمريكية،سيسجل نمو الناتج الداخلي الإجمالي انتعاشا قويا بوتيرة 8,6% سنة 2021 و2,4%سنة 2022، نتيجة النجاح الذي تعرفه حملات التلقيح والمخططات المهمة للإقلاع والتحفيز المالي. كما سيؤدي التحسن المرتقب لمؤشرات سوق الشغل، مصحوبا بالتحويلات العمومية وبادخار الأسر، إلى تعزيز الاستهلاك الخاص. كما ستواصل توجهات السياسة النقدية المرنة، دعمها للاقتصاد الأمريكي عبر الاستثمار خاصة في قطاع العقار.

في منطقة اليورو،ستستفيد أنشطتها الاقتصادية من انتعاش الاستهلاك والاستثمار الخاص بشكل كبير، نتيجة رفع تدابير الحجر الصحي. كما ستتعزز الصادرات من السلع بالإقلاع الكبير الذي ستعرفه اقتصاديات أهم الشركاء للمنطقة.

غير أن الصادرات من الخدمات ستواصل تأثرها بالصعوبات التي تعيق السياحة الدولية. في ظل هذه الظروف، سيعرف الناتج الداخلي الإجمالي في منطقة اليورو انتعاشا ب %4,2 سنة 2021 وب%4,4سنة 2022، بعدما سجل انكماشا ب %6,6سنة 2020.

على مستوى الدول الصاعدة والنامية، ستسجل اقتصاداتها نموا بوتيرة 6% سنة 2021 بعد الانكماش ب 7,1%المسجل سنة 2020، مستفيدة من انتعاش الطلب وارتفاع أسعار مواد المنتجات الأساسية. غير أن وتيرة نمو هذه الاقتصاديات، دون احتساب الاقتصاد الصيني، لن تتجاوز %4,4، حيث سيتأثر النشاط الاقتصادي بهذه الدول بعدة عوامل ستبطئ إقلاعه، ويتعلق الأمر خاصة بارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-َ19 وتباطؤ وتباين وتيرة التلقيح وتمديد تدابير الحجر الصحي وبالتالي تفاقم الاختلالات وتوسيع فجوة النمو داخل هذه الاقتصاديات.

ومن جهته، سيعرف الاقتصاد الصيني نموا قويا ب 5,8% سنة 2021 و4,5% سنة 2022، نتيجة الدينامية الملحوظة لصادراته ومخططا لاستثمار العمومي المتعدد السنوات. ويرتقب أن يستأنف مسلسل إعادة توازن النموذج الاقتصادي الصيني، باعتماده على الخدمات والاستهلاك الخاص عوض الإنتاج الصناعي والاستثمار، مع تسارع وتيرة حملات التلقيح وتحسن الثقة.

وبخصوص أنشطة الاقتصاد الهندي، سيتأثر انتعاشها نتيجة عودة ظهور الوباء، غير أنها ستستفيد من دعم السياسات العمومية، عبر الرفع من النفقات العمومية، خاصة في البنية التحتية والتنمية القروية والصحة من جهة ومن الإقلاع القوي لأنشطة قطاع الخدمات والتصنيع من جهة أخرى. كما ستساهم الظروف المالية المشجعة والنمو القوي للأسواق الخارجية في تسريع هذا الانتعاش.وهكذا، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي نموا بحوالي 3,8%خلال هذه السنةو5,7% سنة 2022.

ويعد الاقتصاد البرازيلي، الذي تعتمد أنشطته على الصادرات والمواد الأولية والطلب الخارجي الوارد من الصين، من بين الدول التي تضررت بشكل كبير بتداعيات الوباء والأزمة الاقتصادية.كما ستؤدي الوتيرة الكبيرة لخروج رؤوس الأموال، كقناة إضافية لانتقال تأثيرات الأزمة نحو هذا البلد، إلى تراجع حاد في قيمة عملة الاقتصاد البرازيلي.

وستواجه أغلب الدول الصاعدة الأخرى صعوبات كبيرة، خاصة الاقتصاديات التي تبقى فيها هوامش السياسة المالية محدودة وكذا الاقتصاديات التي تعتمد بشكل كبير على قطاع السياحة والصادرات من المواد الاساسية.

وفي ظل هذه الظروف، ستتعزز التجارة العالمية لتسجل نموا بوتيرة 3,8%سنة 2021 و3,6%سنة 2022 بعد انخفاض ب 3,8%سنة 2020. ويعزى هذا التحسن إلى تقوية الطلب العالمي من سلع التجهيز للحماية الفردية وأجهزة الإعلاميات والتحرير التدريجي للطلب على السلع المستدامة. غير أن المبادلات من الخدمات ستبقى ضعيفة، خاصة في قطاع النقل الجوي، طالما لم تتم السيطرة بشكل نهائي على الوباء.

على مستوى أسواق المواد الأولية، يتوقع أن يسجل متوسط سعر البرميل زيادة ب 50%مقارنة بسنة 2020، ليصل إلى حوالي 62 دولاراسنتي2021 و2022. ويعزى هذا الارتفاع إلى الانتعاش الميكانيكي للطلب والانخفاضات الكبيرة في الإنتاج لمجموعة الدول المصدرة للنفط. غير أن استمرار التحكم في الإنتاج يبقى رهينا بعدة عوامل كالضغوطات المتزايدة من طرف بعض دول هذه المجموعة، خاصة روسيا وفرضية ارتفاع العرض الإيراني من النفط خلال نهاية السنة. وبخصوص أسواق المواد الأولية الأخرى،فإنها سترتفع بوتيرة قوية تناهز 5,22%خلال سنة 2021، قبل أن تنخفض ب 5,2% سنة 2022.

سيتزامن انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي بارتفاع التضخم بحوالي 4,1 نقطة سنة2021، خاصة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية والتراجع المؤقت للعرض في بعض القطاعات. في اقتصاديات الدول المتقدمة، سيصل معدل التضخم إلى 8,1%سنة 2021 عوض 5,0% سنة 2020، حيث يبقى دون المعدل المستهدف في 2%. غير أن تراجع قيمة العملات وزيادة الضرائب غير المباشرة في اقتصاديات الأسواق الصاعدة، سيؤدي إلى تفاقم الضغوطات على الأسعار. وهكذا، سيبلغ التضخم حوالي6,4%، حيث يفوق هذا المعدل، المتوسط 8,3% المسجل خلال العقد الأخير. وسيكون معدل التضخم خلال سنة 2022 معتدلا في معظم الدول، خاصة نتيجة استقرار أسعار المواد الأولية.

وبخصوص أسواق الصرف، سيساهم ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية واتساع فجوة عجزها التجاري من جهة والمصادقة على مخطط للإقلاع الأوروبي من جهة أخرى والذي سيتم تمويله للمرة الأولى من خلال إصدارات للدين المشترك بين دول الاتحاد الأوروبي، في زيادة قيمة اليورو مقابل الدولار، لتصلإلى 21,1 سنتي 2021 و2022عوض 14,1سنة 2020.

في ظل هذه الظروف، سيستفيد الطلب العالمي الموجه نحو المغرب من تعزيز النشاط الاقتصادي العالمي، إذ سيسجل ارتفاعات ب 3,9% و7,6% على التوالي خلال سنتي 2021و2022، بعد انخفاض ب 2,9%سجل سنة 2020.

الوضعية الاقتصادية خلال سنة 2021

سيعرف النشاط الاقتصادي الوطني خلال سنة 2021 انتعاشا في وتيرة نموه بعد الركود العميق الذي سجله سنة 2020. ويعزى هذا التحسن، أساسا، إلى الآفاق المشجعة للموسم الفلاحي 2020-2021 وكذا إلى إقلاع الأنشطة غير الفلاحية نتيجة التراجع الملحوظ للتداعيات السلبية للأزمة الصحية،وهو ما يعكس بداية تعافي الاقتصاد الوطني.

عرف الموسم الفلاحي 2020-2021ظروفا مناخية ملائمة، بعد سنتين متتاليتين من الجفاف. وهكذا، سيمكن التوزيع الجيد للتساقطات المطرية على المستوى الوطني من تحقيق إنتاج للحبوب يقدر ب 98 مليون قنطار أي بزيادة ب 206%مقارنة بالسنة الماضية و8,54% مقارنة بمتوسط السنوات الخمسة الأخيرة. كما سيتعزز، في ظل هذه الظروف المناخية،إنتاج الزراعات الأخرى، خاصة زراعات الأشجار وأنشطة الزراعات الصناعية وزراعة الخضروات.

بالموازاة مع ذلك، ستتعزز أنشطة تربية الماشية خلال سنة 2021، مستفيدة من توفر الأعلاف والمراعي في مناطق البور بشكل كافي، الشيء الذي سيمكن من تحسن إنتاج اللحوم.

وفيما يتعلق بقطاع الصيد البحري،ستسجل أنشطته تحسنا، مدعمة بالنتائج الجيدة لتسويق منتجات الصيد الساحلي والتقليدي،مستفيدة من انتعاش الطلب الخارجي.

وهكذا، سيعرف القطاع الأولي انتعاشا بحوالي 5,17% سنة 2021 عوض انخفاض ب 9,6% المسجل سنة 2020،ليسجل مساهمة موجبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي بحوالي 2 نقط عوض مساهمة سالبة ب 8,0نقطةخلال السنة الماضية.

وستسجل الأنشطة غير الفلاحية، نموا موجبا بحوالي 1,4% عوض انخفاض ب 6% المسجل سنة 2020. ويعزى هذا الانتعاش أساسا، إلى ارتفاع أنشطة القطاعالثانوي ب 4% عوض تراجع ب 8,3% سنة 2020 وإلى تحسن أنشطة القطاعالثالثي ب 1,4% عوض انخفاض ب 1,7% خلال السنة الماضية.

على مستوى القطاع الثانوي، ستستفيد أنشطة الصناعات التحويلية من انتعاش صناعات النسيج والملابس ومواصلة تحسن الصناعات الغذائية والصناعات الكيماوية وشبه الكيميائية، نتيجة تعزيز الطلب الخارجي.

أما بخصوص الصناعات الميكانيكية والمعدنية والكهربائية، فستسجل أنشطتها انتعاشا ملحوظا،نتيجة التحسن التدريجي لقطاع السيارات، في حين أنها ستتأثر بتباطؤ أنشطة صناعة الطائرات على الصعيد العالمي.

وسيواصل قطاع المعادنتعزيز نتائجه الجيدة، لتسجل أنشطته نموا بوتيرة 6,4%سنة 2021. وهكذا، سيؤديارتفاع الطلبمنالصناعاتالتحويليةالمحليةإلىزيادةاستخراجالفوسفاط، نتيجة انتعاش الطلبالأجنبيعلىمشتقاته، خاصة الطلب الوارد منالبرازيلوالهندودولشرقإفريقيا. وبخصوص المعادن الأخرى،سيؤدي الارتفاع المرتقب لأسعارها في الأسواق العالمية الناتج عن زيادةالطلبالصيني إلى تعزيز أنشطتها الاستخراجية.

وفيما يتعلق بقطاع البناء والأشغال العمومية، ستعرف أنشطته ارتفاعا ب 5,3%سنة 2021 عوض انخفاضب 8,3%المسجل سنة2020.ويعزى هذا النمو إلى انتعاش أشغال البنية التحتية والدينامية المرتقبة لأنشطة البناء التي ستستفيد من السياسة العمومية المعتمدة خلال سنة 2020 لتشجيع الطلب. وهكذا، قامت الدولة باعتماد مجموعة من التدابير في إطار القانون المالي المعدل لسنة 2020، تمحورت أساسا حول تحسين الشروط التمويلية والامتيازات الضريبية، والتي ستدعم بشكل قوي طلب الأسر على الوحدات السكنية وتشجيع المنعشين العقاريين على الاستثمار.

بخصوص القطاع الثالثي، ستستفيد أنشطة الخدماتالتسويقية من تحسن الطلب الداخلي، لتسجل نموا موجبا ب 7,4% سنة 2021 عوض الانخفاض الكبير ب 2,9% سنة 2020.

ومن جهتها، ستستعيد قطاعات السياحةوالنقل، التي عرفت أنشطتها خلال سنة 2020، ركودا حادا قدر على التوالي ب%-55,9  و%-32، نتيجة تأثرها بالتداعيات السلبية لقيود التنقل وإغلاق الحدود، حيويتها خلال سنة 2021. ويعزى هذا الانتعاش إلى التخفيف التدريجي للقيود الاحترازية، خاصة تسهيل عودة المغاربة المقيمين بالخارج وتشجيع دخول السياح الأجانب، تطبيقا للتعليمات الملكية السامية.

ومن جهتها، ستعرف أنشطة التجارة انتعاشا سنة 2021، مدعومة بالنتائج الجيدة لأنشطة القطاع الأولي وتخفيف القيود على التنقل خلال النصف الثاني من سنة 2021. وهكذا ستسجل هذه الأنشطة نموا بوتيرة %6,3 عوض تراجع كبير ب %10,7 سنة 2020.

في ظل هذه الظروف، سيسجلالنموالاقتصاد الوطني، بناء على الزيادة المرتقبة للضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب 6,5%، انتعاشا ب 8,5%سنة 2021عوض ركود ب 3,6%المسجلة سنة 2020.

وبخصوص تطور الأسعار الداخلية، سيؤدي ارتفاع الأسعار العالمية للمنتجات الطاقية وللمواد الأولية الأخرى، مصحوبا بانتعاش الطلب الداخلي، إلى زيادة المستوى العام للأسعار بحوالي 5,1%عوض 8,0%المسجلة سنة 2020.

وفي سياق انتعاشالنمو الاقتصادي، سيعرف سوق الشغل تحسنا طفيفا، حيث، سيستقر معدل البطالةعلى المستوى الوطني، بناء على فرضية استمرار المنحى التنازلي لمعدل النشاط، في حدود 9,10% عوض 9,11% المسجلة سنة 2020.

انتعاش مدعم للطلب الداخلي سنة 2021

سيمكن احتواء انتشار الوباء وتسارع وتيرة التلقيح، من تحفيز العودة التدريجية للثقة لدى لأسروالمقاولات. وسيؤدي هذه المنحى إلى انتعاشالطلبالداخلي، الذي سيتعزز بتنفيذ تدابيرمخطط الإقلاع الاقتصادي.

وسيستفيد استهلاك الأسر المقيمة من تحسن المداخيل، المدعمة بالنتائج الجيدة التي عرفها الموسم الفلاحي 2020/2021 وبتعزيز تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، في سياق يتميز بضعف الضغوطات التضخمية. في ظل هذه الظروف،سيسجل حجم استهلاك الأسر ارتفاعا بحوالي1,3% عوض انخفاض ب 1,4%المسجل سنة 2020.وهكذا، ستبلغ مساهمته في النمو الاقتصادي حوالي 8,1 نقطة عوض مساهمة سالبة ب 3,2 نقط سنة 2020.

وسيتعزز المنحى التصاعدي لاستهلاك الإدارات العمومية سنة 2021، الشيء الذي يعكس استمرار ارتفاع النفقات من السلعوالخدماتالأخرىوالتزاماتالحكومة لدعم الإقلاع الاقتصادي. وهكذا، سيسجل زيادة بحوالي 1,5% عوض 7,1% سنة 2020، حيث يتوقع أن تبلغ مساهمته في النمو الاقتصادي المرتقب سنة 2021 حوالي 1,1 نقطة.

وإجمالا، سيعرف الاستهلاك النهائي الوطني نموا موجبا بحوالي 7,3% عوض انخفاض ب 5,2% سنة 2020، ليسجل مساهمة موجبة في النمو ب 9,2 نقطعوض مساهمة سالبة ب 2 نقط سنة 2020.

بالموازاة مع ذلك، سيستفيد الاستثمار من السياسة المالية التوسعية وعودة ثقة المستثمرين نتيجة الآفاق الاقتصادية المستقبلية المشجعة. وهكذا،سيعرف الحجم الإجمالي للاستثمارالعمومي ارتفاعا ليصل إلى 230 ملياردرهمسنة2021 عوض 182 ملياردرهمسنة 2020، أي بزيادةب 26%، مستفيدا منإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار.

في ظل هذه الظروف، سيعرف حجم التكوين الإجمالي لرأس المال الثابتزيادةب 9,6% سنة 2021 عوض انخفاض ملحوظ ب 9% المسجل سنة 2020. وهكذا، سيسجل مساهمة موجبة في النمو الاقتصادي ب 8,1 نقطة. ومن جهته، سيسجل التغير في المخزون مساهمةموجبة فينموالناتج الداخلي الإجمالي ب 2,2 نقطة عوض مساهمة سالبة ب 2,1 نقط سنة 2020.

وبناء على هذهالتطورات،سيعرف الاستثمار الإجمالي زيادة ب 1,14% سنة 2021 عوض انخفاض ب 2,14% خلال السنة الماضية. وهكذا، سيسجل مساهمة موجبة في النمو بحوالي 4 نقط عوض مساهمة سالبة ب 4,5 نقط المسجلة سنة 2020.

وعموما، سيستعيد الطلب الداخلي دوره كمحرك للنمو الاقتصادي، حيث سيعرف حجمهزيادةب4,6% عوض انخفاض ب 6%سنة 2020، لتبلغ مساهمته في النمو حوالي 9,6 نقط عوض مساهمة سالبة ب 5,6 نقط سنة 2020.

تفاقم طفيف للعجز الجاري بالدينامية التجارية المتسارعة

ستعرف المبادلات الخارجية سنة 2021 تحسنا ملحوظا، نتيجة الآفاق المشجعة والآمال المنبثقة عن حملات التلقيح ومفعول برامج الدعم المعتمدة. وهكذا، سيؤدي تحسن المؤشرات الاقتصاديةللشركاء الرئيسيين، إلى انتعاش الطلب الموجه نحو المغربب 3,9%سنة 2021 عوض انخفاض ب 2,9%سنة 2020.

وستؤدي هذه الوضعية إلى تحسن وتيرة نمو صادرات القطاعات الإنتاجية الوطنية. وباستثناءصناعة الطائرات، التي لا زالت تعاني من تداعيات القيود المفروضة على الأسفار الدولية، ستعرف صادرات أنشطة المهن العالمية انتعاشا تدريجيا في وتيرة نموها، مستفيدة من تحسن الظرفية الاقتصادية والارتفاع المرتقب للاستهلاك لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين.

بالإضافة إلى ذلك،ستمكن النتائج الجيدة للإنتاج مصحوبة بطلب خارجي مستقر، من تعزيزالمنحى التصاعدي لصادراتالفوسفاطومشتقاته. وبالمثل، ستحافظ صادراتالمنتجاتالفلاحيةومنتجات الصناعات الغذائيةعلى وتيرة نموها، مستفيدة من التأثيرات الإيجابية للموسم الفلاحي والمجهودات المبذولةلتلبية حاجيات الأسواقوالاستجابةللطلبالخارجي المتزايد.

وبالموازاة مع ذلك، يبقى انتعاش صادرات أنشطة قطاعالنسيج رهينا بتحسنالطلبالخارجيالموجهلهذا القطاع وبالقدرةالتنافسيةلمنتجاتهفي الأسواق العالمية. وفيهذاالصدد،منالمتوقعأنتسجلصادرات هذا القطاع تحسنا.

وسيؤدي التحسن المرتقب لسلسلة الإنتاجوانتعاش الصادراتالوطنيةإلىارتفاع الوارداتمنالمدخلاتالصناعيةوأنصاف المنتجات، في حين،ستساهم النتائج الجيدة للموسم الفلاحي فيتراجعحاجيات الاقتصاد الوطني من المنتجات الغذائية،خاصة من الحبوب،الشيء الذي سيمكن من تقليص الفاتورة الغذائيةالمستوردة. كما ستؤثرتدابيرالقيود المفروضة على التنقل وتداعيات تراجع أنشطة قطاع السياحة والنقل خلال النصفالأولمن هذهالسنة، علىالوارداتمن المنتجاتالطاقية. غير أن انتعاشالطلبالداخلي سيؤدي إلىزيادة الوارداتمن منتجات الاستهلاك النهائي.

تراجع متواضع لعجز الميزانية نتيجة تحسن طفيف للمداخيل

ستعرف المالية العمومية خلال سنة 2021 تراجعا طفيفا لعجز الميزانية بعد التدهور التاريخي الذي سجله سنة 2020. غير أن هذا العجز سيبقى مرتفعا، يفوق المستويات المسجلة ما قبل الأزمة في الوقت الذي ستواصل فيه الدولة الاعتماد على سياسة مالية توسعية تهدف إلى دعم القطاعات الإنتاجية وتقليص الفوارق الاجتماعية.

وستستفيد المداخيل الجارية من الانتعاش المرتقب للمداخيل الجبائية، نتيجة الإقلاع المتوقع للنشاط الاقتصادي والتدابير المعتمدة للتخفيف من تداعيات الأزمة على ميزانية الدولة وتقوية تحصيل المداخيل.

ويعزى انتعاش المداخيل الجبائية، التي ستصل إلى حوالي 9,17%من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021، أساسا إلى ارتفاع مداخيل الضريبة على القيمة المضافة الداخلية، مستفيدة من تحسن استهلاك الأسر. وستعرف مداخيل الضريبة على الدخل، تحسنا لتصل إلى حوالي 7,3% من الناتج الداخلي الإجمالي. ومن جهتها، ستستفيد مداخيل حقوق الجمارك وحقوق التسجيل على التوالي من زيادة الواردات نتيجة انتعاش الطلب الداخلي والنتائج الجيدة لأنشطة قطاع العقار. وبالمقابل، ستواصل مداخيل الضريبة على الشركات تراجعها، نتيجة التداعيات السلبية للأزمة على نتائج وأرباح المقاولات خلال سنة 2020.

وبخصوص المداخيل غير الجبائية، فإنها ستستفيد من مداخيل المنح والهبات المرتقبة ومن عائدات الخوصصة ومن تدابير الإعفاء الضريبي على الشركات عند عملية تفويت مساهمات المؤسسات والمقاولات العمومية ابتداء من سنة 2021 وكذا من المداخيل الواردة من الآليات الجديدة لتمويل الاستثمارات العمومية. في ظل هذه الظروف، ستنتقل المداخيل الجارية إلى حوالي 8,20%من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021 عوض %21 سنة 2020.

وعلى مستوى النفقات العمومية، فإنها ستواصل تفاقمها نتيجة مواصلة تعبئة التمويلات الضرورية لتنفيذ المشاريع المعلنة في قانون المالية لسنة 2021 وكذا بالمجهودات المبذولة لاستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية. ويتعلق الأمر بتخفيف العبء الضريبي على القطاعات المتضررة وبتعميم الحماية الاجتماعية وبدعم الإقلاع الاقتصادي والشغل بالإضافة إلى المساهمة في صندوق محمد السادس للاستثمار.

وهكذا، ستواصل النفقات الجارية سنة 2021 منحاها التصاعدي، متأثرة بصعوبة تقليص نفقات كتلة الأجور التي ستمثل حوالي 9,11%من الناتج الداخلي الإجمالي، نتيجة تطبيق تدابير المرحلة الثالثة من الحوار الاجتماعي. كما ستتفاقم نفقات المقاصة، متأثرة بالزيادة المرتقبة في أسعار غاز البوتان وبارتفاع الأسعار العالمية للسكر خلال سنة 2021. في ظل هذه الظروف، ستعرف نفقات دعم أسعار الاستهلاك زيادة بحوالي 16,8% سنة 2021 لتستقر في حدود 1,3% من الناتج الداخلي الإجمالي.

في ظل هذه الظروف وبناء علىتراجع مداخيل الحسابات الخاصة للخزينة وتعزيز نفقات الاستثمار في حدود 6,4% من الناتج الداخلي الإجمالي، سيستقر عجز الميزانيةفي مستويات مرتفعة، رغم تراجعه مقارنة ب 7,6% المسجل سنة 2020، ليستقر في حوالي 6,3% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021.

مواصلة المديونية لمنحاها التصاعدي

سيؤدي استقرار عجز الميزانية سنة 2021، في مستويات عالية إلى ارتفاع جديد في المديونية العمومية، أساسا عبر اللجوءإلى السوق الداخلي، وبدرجة أقلعبر تعبئة التمويلات من الأسواق الخارجية. وفي هذا الصدد، يتوقع أن تقوم الدولةبتعبئة ادخار الأسر بهدف تعزيز مصادرها التمويلية. وسيفرز هذا الاقتراض الوطني خلال سنة 2021 مداخيل ستصل إلى حوالي 5 مليار درهم. وإجمالا، سيؤدي لجوء الخزينة إلى سوق السندات إلى ارتفاع الدين الداخلي للخزينة إلى حوالي 58,2% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021.

فيما يتعلق بالدين الخارجي للخزينة، فإنه سيبلغ حوالي 19,1% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 18,3% سنة 2020. وستصل حصة الدين الخارجي في إجمالي دين الخزينة حوالي %24,8من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021، لتناهز للمرة الأولى المعيار المرجعي المحدد في %25. في ظل هذه الظروف، سيواصل الدين الإجمالي الخزينة ارتفاعه ليستقر في عتبة 77,3 % من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021 عوض%76,4   في 2020.

في ظل هذه الظروف، وبناء على حصة الدين الخارجي المضمون التي ستستقر في حدود 15,4% من الناتج الداخلي الإجمالي مقارنة ب%16,2  كمتوسط سنوي للفترة 2015-2020، سيعرف الدين العمومي الإجمالي، تفاقما لينتقل من 92,5% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2020 إلى 92,7% سنة 2021.

تراجع طفيف لعجز السيولة، مدعمة بالمستويات الكافية للاحتياطي من العملة الصعبة

ستواصل السياسة النقدية توجهاتها المرنة إلى غاية نهاية سنة 2021، عبر اعتماد مجموعة من التدابير التي تهدف إلى تسهيل الشروط التمويلية للاقتصاد وتعزيز قدرة النظام البنكي للاستجابة إلى الحاجيات التمويلية للاقتصاد الوطني.

على مستوى المجاميع النقدية، ستواصل حاجيات السيولة البنكية تأثرها بالارتفاع القوي للنقود المتداولة سنة 2021، غير أن العجز سيتقلص نتيجة المستويات الكافية من الاحتياطي من العملة الأجنبية وارتفاع الودائع تحت الطلب. وهكذا، سيستقر عجز السيولة البنكية  في حدود64,8  مليار درهم سنة 2021 عوض 67 مليار درهم سنة 2020.

وبخصوص مقابلات الكتلة النقدية، ستواصل القروض الصافية على الإدارة المركزية منحاها التصاعدي لتسجل زيادة برقمين في حدود 14,8% عوض  %13,4سنة 2020، الشيء الذي يعكس لجوء الخزينة المكثف إلى السوق الداخلي للسندات. وبناء على توقعات النمو الاقتصادي وآفاق النظام البنكي، ستسجل القروض على الاقتصاد زيادة بحوالي %4,1سنة 2021.

بناء على فرضية تعزيز المداخيل بالمنح والهبات ولجوء الخزينة المتوقع للأسواق الدولية، سيبلغالاحتياطي من العملة الصعبةحوالي319,4مليار درهم سنة 2021 عوض 316,5مليار درهم سنة 2020. وستمثل بالتالي 6 أشهر و 27 يومًا من الواردات في عام 2021.

وإجمالا، سيؤدي غياب الضغوطات التضخمية سنة 2021، إلى هوامش إضافية للسياسة النقدية لدعم مرونةالظروف التمويلية ومواجهة الصعوباتالتي تعرفها.وبناء على كل هذه التطورات وعلى توقعات النمو الاقتصادي، ستتباطأ وتيرة نمو الكتلة النقدية لتستقر في حدود%5,7 سنة 2021 عوض%8,4 سنة 2020.

آفاق الاقتصاد الوطني خلال سنة 2022

ترتكز الآفاق الاقتصادية الوطنيةلسنة 2022 على التطورات الجديدة للمحيط الدولي خاصة أسعار المواد الأولية والطلب العالمي الموجه نحو المغرب الذي سيرتفع بحوالي%6,7  سنة 2022 عوض%9,3 سنة 2021. كما تعتمد هذه التوقعات على فرضية نهج نفس السياسة المالية المعتمدة خلال سنة 2021 وعلى سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2021/2022.غير أن هذه الآفاق تبقى رهينة بعدة عوامل مرتبطة أساسا بتطورالوضعيةالوبائية وإتمام عملية التلقيح على المستويين الوطني والدولي.

وبناء على هذه الفرضيات،ستسجل الأنشطة غيرالفلاحية زيادة في قيمتها المضافة بحوالي %3,6 سنة 2022عوض %4,1سنة 2021. وتعزىهذه النتائج الجيدة، أساسا إلى النمو القوي في القطاع الثالثي، نتيجة تحسن الخدمات التسويقية، خاصة السياحة والنقل والتجارة، في أفق فتح تدريجي للحدود خلال سنة 2022. وهكذا، ستسجل القيمة المضافة للقطاع الثالثي تحسنا في وتيرة نموها لتبلغ %3,7 سنة 2022 عوض %4,1 سنة 2021.

ومن جهتها، ستسجل القيمة المضافة للقطاع الثانوي زيادة ب %3,4 سنة 2022، نتيجة تحسن أنشطة قطاعات البناء والأشغال العمومية والمعادن والنتائج الجيدة للصناعات التحويلية، ارتباطا بالتحسن المرتقب للطلب الخارجي.

وبناء على التطور المرتقب للضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب 4,4%،سيسجلالناتج الداخلي الإجمالي،نموا بمعدل يناهز حوالي9,2%سنة 2022 عوض انتعاش ب 8,5%المرتقبة سنة 2021.

وعلى المستوى الإسمي، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي زيادة ب 8,3%، الشيء الذي سيؤدي إلى ارتفاع طفيف للتضخم، المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي، بحوالي %0,9 عوض %1,5 سنة 2021.

مواصلة تحسن الطلب الداخلي خلال سنة 2022

سيواصل الطلبالداخلي سنة 2022 دعمه للنشاط الاقتصادي الوطني، غير أنه يبقى دون المستوى المتوقع سنة 2021. وسيتعزز هذا الطلب باستمرار تحسن الاستثمار الإجمالي والاستهلاك النهائي الوطني.

وهكذا، سيعرف حجم استهلاك الأسر زيادة ب%2,9،ليسجل مساهمةفينموالناتجالداخلي الإجماليفي حدود1,6نقطةسنة 2022. ومنجهته،سيرتفع استهلاك الإدارات العموميةبحوالي%2,7، لتستقر مساهمته في النمو في حدود0,6 نقطة.وإجمالا، سيعرف الاستهلاكالوطنيالنهائيارتفاعا ب%2,9 لتبلغمساهمته في النمو الاقتصادي حوالي 2,2نقط سنة 2022.

ومن جهته، سيسجل حجم التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت زيادة ب%5,9 عوض%6,9 سنة 2021، لتصل مساهمته في النمو حوالي1,6 نقطة. كما سيسجل التغيير في المخزون مساهمة سالبة في النمو بحوالي0,1 نقطةسنة 2022. وبالتالي،سيعرف حجم الاستثمار الإجمالي ارتفاعا ب %4,7لتستقر مساهمته في النمو في حدود  1,4نقطة عوض 4نقط سنة 2021.

في ظل هذه الظروف، سيسجل حجم الطلب الداخلي ارتفاعا ب%3,4 عوض%6,4 سنة 2021. وستستقر مساهمته في النمو الاقتصادي في حدود 3,6 نقط عوض 6,9 نقط سنة 2021.

استمرار تفاقم العجز الجاري

بناء على برامج الاقلاع الاقتصادي،سيؤدي استمرار تعافي الأنشطة الاقتصاديةإلىتحسنآفاقالنموالاقتصاديالعالمي،وبالتاليارتفاع مستوى المبادلات التجارية. كما ستعزز الآفاق الاقتصاديةالملائمة لدى الشركاءالرئيسيينسنة 2022 من الطلبالخارجي الموجه نحو المغرب وبالتالي دعم المبادلات التجاريةللاقتصادالوطني التي ستستعيد مستويات نموها المسجلة قبلالأزمة.

وهكذا، ستواصل صادرات الاقتصاد الوطني منحا نموها نتيجة دينامية صادرات المهن العالمية وانتعاش الانشطة التصديرية، لتسجل تحسنا بحوالي%9 عوض%10,8 سنة 2021. ومن جهتها، ستسجل الواردات زيادة ب%9,1 عوض%11,5 سنة 2021. وهكذا، سيسجل صافي الطلب الخارجي سنة 2022 من جديد مساهمة سالبة في النمو الاقتصادي الوطني بحوالي  0,8نقطة من الناتج الداخلي الإجمالي.

وعلى المستوى الإسمي، ستعرف الصادرات من السلع والخدمات زيادة ب%8,7،في حين ستسجل الواردات من السلع والخدمات ارتفاعا ب %7,7 عوض %11,3سنة 2021. وبالتالي سيصل عجز الموارد إلى حوالي10,6% من الناتج الداخلي الإجمالي، أي بتفاقم سيصل إلى 0,5 نقطة مقارنة بمستواه المرتقب خلال سنة 2021.

وبناء على مواصلة تحسن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بعد انتعاشها الاستثنائي سنة 2021، ستبلغ المداخيل الصافية الواردة من باقي العالم إلى %5,5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022. وهكذا سيفرز الحساب الجاري لميزان الآداءات عجزا سيصل إلى%3,4  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %2,5 من الناتج الداخلي الإجمالي المسجل سنة 2021.

تراجع عجز الميزانية واستقرار المديونية في مستويات عالية سنة 2022

تعتمد توقعات الماليةالعموميةفيأفق سنة2022 على نهج نفس السياسة الماليةالمعتمدة خلال سنة 2021، والتي ترتكز على مجهودات مواصلة تعزيزالاستثمار ودعم وتيرة النمو الاقتصادي وتقوية تحصيل المداخيلالجبائية. غير أن هذه المجهودات، مصحوبة بآفاق النمو الاقتصادي، تبقى غير كافية لتقليص عجز الميزانية.

غير أن الحاجيات التمويلية ستواصل تراجعها خلال سنة 2022، نتيجة الانتعاش التدريجي للمداخيل الجبائية، التي ستستفيد من استمرار تحسن الأنشطة غير الفلاحية وعودة دينامية الطلب الداخلي الذي سيتعزز بمعدل معتدل للتضخم وبعودة الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين.

وهكذا، ستستقر المداخيلالجبائية في حدود%18,2 منالناتجالداخليالإجماليسنة 2022 عوض%17,9سنة 2021. وبناء على تعزيز المداخيلغيرالجبائية في حدود%2,4من الناتجالداخليالإجمالي،ستستقرالمداخيل الجاريةفي%20,8منالناتجالداخليالإجماليسنة2022.

وبالموازاة مع ذلك، ستواصل النفقاتالجاريةتفاقمها، نتيجة المجهودات المبذولة لتعزيزدينامية النشاطالاقتصادي. وبالتالي،ستتأثر هذه النفقات بالمنحى التصاعدي لنفقات التسيير، لتصل إلى حوالي%20,9 منالناتجالداخلي الإجمالي،عوض%21المرتقبة خلال سنة 2021.

وبناء على فرضيةدعم مجهودات استثمارات الخزينةفي حدود%6,2 منالناتجالداخليالإجمالي،ستفرزالماليةالعموميةعجزافيالميزانية في حدود %6 منالناتجالداخليالإجماليسنة 2022 عوض%6,3 المتوقعةسنة 2021.

تباطؤ وتيرة نمو الكتلة النقدية سنة 2022

يعتمد تطور المجاميع النقدية خلال سنة 2022، على آفاق النشاط الاقتصادي الوطني والتدفقات الصافية الخارجية، خاصة من الميزان التجاري ومن مداخيل الأسفار وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سنة 2022. كما يرتكز ذلك على نهج نفس التدابير المعتمدة من طرف بنك المغرب خلال سنة 2021 لتمويل الاقتصاد، خاصة استقرار معدل الفائدة الرئيسي والتحرير الكلي للاحتياطي الالزامي للبنوك.

وبناء على هذه الفرضيات ولجوء الخزينة الى الاقتراض من الأسوقالدوليةوكذا على مستوى متوسط لمداخيل الاستثمارات الأجنبيةالمباشرة في حدود%3 من الناتج الداخلي الإجمالي،سيصل الاحتياطي من العملة الصعبة إلى حوالي311مليار درهم سنة 2022، ليمثل حوالي 6 أشهر و 9 أيام من الواردات عوض 6 أشهر  و27 يوما سنة 2021.وستعرف القروض البنكية زيادة ب %4,4 عوض%4 سنة 2021.

وبالمثل، ستواصل القروض على الإدارة المركزية منحاها التصاعدي، نتيجة اللجوء الملحوظ للخزينة للسوق الداخلي لتغطية التزاماتها الضرورية للإقلاع الاقتصادي. في ظل هذه الظروف وبناء على تطور المقابلات الأخرى، ستسجل وتيرة نمو الكتلة النقدية خلالسنة 2022 نموا بحوالي%4،عوض حوالي%5,7 المرتقبةسنة 2021.

آخر الأخبار