"من أجل تعاطٍ أفضل مع الأقاليم الجنوبية المغربية"

عبد الصمد العيوشي - باحث في القانون العام
تحظى الصحراء المغربية بأهمية خاصة لدى الدولة باعتبارها محل الصراع بينها و بين أعدائها الممثلين عمليا في جبهة البوليساريو و داعميها من حكومات و منظمات.
تتحدد هذه المنطقة جغرافيا في "جهة العيون الساقية الحمراء" و "جهة الداخلة وادي الذهب" بالإضافة إلى جماعة المحبس التي تقع ضمن نفوذ "جهة كلميم واد نون ". و ينبغي ان نأخذ بعين الاعتبار أن هذه الجهة باستثناء تراب الجماعة المذكورة لا تدخل ضمن تراب "الصحراء المغربية" موضوع الصراع سالف الذكر.
يؤطر المغرب الجهات الثلاث أعلاه تحت مسمى "الأقاليم الجنوبية " كمنطقة صحراوية تشكل كتلة متجانسة ثقافيا و جغرافيا ، تقدمها الدولة كفضاء مهيئ مستقبلا لإقامة نظام حكم ذاتي بها باعتباره الحل الوحيد المقترح لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
و قد عملت الدولة على العناية بهذه الأقاليم و تنميتها ابتغاء تحسين ظروف العيش بها و تطويرها اقتصاديا، و التسويق لذلك دوليا عبر التركيز على "منطقة الصحراء المغربية" بشكل خاص؛ تأكيدا على اعتبارها جزء لا يتجزء من المملكة المغربية.
إلا أن ما لوحظ بشأن تدبير الدولة للأقاليم الجنوبية هو تعاملها معها على أساس كونها تشكل اهتماما من بين اهتماماتها الكثيرة؛ أي اعتبارها كباقي الأقاليم بالبلاد، دون تمييزها بشكل إيجابي في إطار الممارسة السياسية و الإدارية.
و هو الأمر الذي لا يتناسب مع خصوصية تلكم الأقاليم ، لاسيما و أنها تضم منطقة الصحراء المغربية ذات الأهمية الخاصة جدا، هذا من من جهة، و من جهة أخرى باعتبارها تمثل ما نسبته 59٪ من التراب الوطني و هي نسبة هامة للغاية .
هذا دون الإغفال على أن الدولة مقبلة مستقبلا على التعامل معها كمنطقة حكم ذاتي، الأمر الذي يتطلب، و من الآن، تعاطيا مختلفا معها، و تمييزها بشكل إيجابي عن باقي المناطق الأخرى بالوطن.
في هذا الصدد ، نود عرض مجموعة من الاقتراحات التي تهم كيفية التعاطي الجيد و الفعال من طرف المؤسسات الرسمية للبلاد تجاه تلكم الأقاليم.
يتعلق الأمر بداية بالضرورة الملحة لإنشاء منصب وزاري جديد بالحكومة المغربية و الذي يهم تعيين "وزير منتدب لدى وزير الداخلية مكلف بالأقاليم الجنوبية"، الذي من المفترض أن يلعب دور مندوب الحكومة لدى جهة الحكم الذاتي حال تنفيذ المقترح الذي تقدم به المغرب لحل هذا المشكل.
و تكمن أهمية وجود هذا المنصب في وزارة الداخلية لعلة الوظيفة المركزية التي تلعبها هذه الأخيرة بشأن تلكم الأقاليم، سواء من الناحية السياسة، أو الأمنية، أو حتى الإدارية من خلال "الإدارات الترابية" التي تتبعها جنوبا.
و من المفترض أن يضطلع هذا الوزير المنتدب بأدوار محورية على المستوى السياسي و الدبلوماسي باعتباره مسؤول عموميا معنيا بقضية الصحراء المغربية، يعمل من أجل الدفاع عن سياسة الدولة و توجهاتها بخصوص تلك، خارجيا جنبا إلى جنب مع وزير الخارجية، و كطرف مساعد له أيضا في المفاوضات المتعلقة بحل النزاع المثار بشأنها .
هذا فضلا عن أدواره المفترض أن يقوم بها وطنيا من خلال تنسيق جهود مختلف القطاعات الوزارية و المتدخلين في تنمية الأقاليم الجنوبية، و المساهمة في تشكيل سياسة عمومية موحدة و ناجعة بخصوص تلكم.
و لغاية جعل هذه الأقاليم في طليعة اهتمام الدولة للاعتبارات السالفة الذكر، يُقترح بهذا الصدد إنشاء "مجلس وطني للأقاليم الجنوبية" بموجب مرسوم، يرأسه "رئيس الحكومة" و ينوب عنه إن اقتضى الحال "وزير الداخلية"، و يتركب بالإضافة إليهما من باقي أعضاء الحكومة الآخرين ، مع إمكانية استدعاء أي مسؤول عمومي آخر خارجها لحضور أشغال المجلس.
أما بخصوص كتابة هذا الأخير فيفترض أن يشرف عليها "الوزير المنتدب" سالف الذكر من خلال الإدارة التابعة له.
و يُترجى من إنشاء هذا المجلس التنسيق بين القطاعات الوزارية من أجل توحيد الجهود و ضمان الالتقائية بينها إبان تدخلها في تدبير الأقاليم الجنوبية، تجسيدا كذلك للتميز الذي يؤمل أن تحظى به تلكم لدى الحكومة.
و في سبيل تمتع هذه الأقاليم بالأهمية المطلوبة لدى كافة مكونات الحكومة، يُقترح أن يتمم المرسوم 2.22.80 بشأن مبادئ و قواعد تنظيم إدارات الدولة و تحديد اختصاصاتها (الصادر سنة 2024) بالمقتضيات التي تلزم الوزارات بجعل الأقاليم الجنوبية في طليعة اهتماماتها و ضرورة إنشاء جهاز مركزي (يمكن أن يكون "مديرية مركزية" او مكتبا منتدبا لدى الوزراء) يعمل على تجسيد عناية القطاع الوزاري بتلكم الأقاليم و تتبع تنفيذ البرامج و السياسات المتعلقة بها.
و يتوجب من أجل تحقيق ذلك، تكييف المراسيم المنظمة لهياكل و اختصاصات الوزارات مع هذا الأمر من خلال تجسيد ما يُتطلب منها في هذا الشأن.
و من أجل ضمان حظو الأقاليم الجنوبية بنصيبها المستحق و المتميز من التدخلات التنموية للدولة، نقترح بهذا الإطار اتباع مقاربة جديدة في السياسات العمومية تتمثل في "المقاربة الصحراوية"، و التي تقوم على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار وضعية تلكم الأقاليم عند التخطيط و التنفيذ لأي سياسة عمومية أو برنامج تنموي وطني، حيث ينبغي أن يكيف أي منهما مع متطلبات و خصوصيات تلكم، و العمل على جعل استفادتها من ثمار التدبير العمومي ضمن أولويات المسؤول الحكومي.
و يقترح بهذا الصدد أن تتضمن الوثائق المتعلقة بالخطط أو السياسات العمومية بجزء خاص يبرز النصيب الخاص بالاقاليم الجنوبية و بسط كيفية انتفاعها منها، تجسيدا لما ترمي إليه هذه المقاربة المقترحة.
بالموازاة مع جهود الدولة بهذا الإطار، يُرجى من البرلمان كذلك أن يكون مواكبا لهذه العناية الخاصة بالأقاليم الجنوبية ، من خلال إنشاء لجنة برلمانية مشتركة بين غرفتيه الممثلتين في مجلس النواب و مجلس المستشارين بموجب إتفاق بين رئيسيهما ، تتركب من مجموعة من الأعضاء المتساويان من كلا المجلسين ، على أن تكون الرئاسة بالتناوب بين نائب برلماني و مستشار برلماني، و أن تضم بشكل خاص رؤساء اللجان الدائمة من كلا الغرفتين.
و يُنتظر من هذه اللجنة أن تعمل على التنسيق بين مكونات البرلمان من أجل تدارس قضية الصحراء المغربية على وجه الخصوص من النواحي السياسة و الدبلوماسية، و بشكل عام أن تعنى بمسألة التنمية بكافة الأقاليم الجنوبية.
هذا و يقترح من أجل ضمان عناية المؤسسة البرلمانية بهذه الأقاليم تشكيل مجموعات عمل دائمة داخل كل لجنة دائمة من لجان البرلمان تعنى بتلكم و بالسياسات التي تنفذ عليها انطلاقا من زاوية اختصاص كل لجنة دائمة.
و يمكن أن يجتمع نصف أعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة داخل كل غرفة برلمانية مشكلين لجنة فرعية، بغرض تدارس كيفية التعاطِ مع ملفات الأقاليم الجنوبية، و كذا من أجل التنسيق بين مجموعات العمل الدائمة باللجان الدائمة لرسم خطة العمل البرلماني الخاصة بهم في هذا الشأن.
لقد كان تضامن المغاربة و تآزرهم في الشدائد مصدر قوة لبلادنا على الدوام.
حيث ما فتئوا خلال فترات الأزمات تجسيد قيم الأخوة و التعاون و العطاء دون مقابل، مبرزين روح "التامغرابيت" و الوطنية الحقة من خلال أعمالهم.
و قد كانت آلية التبرع المالي أحد أهم مظاهر ذلكم، كما كان الحال عندما فتحت الحكومة بموجب مرسومين حسابين مرصدين لأمور خصوصية بالخزينة العامة ، الأول بعد بروز أزمة وباء كورونا ببلادنا سنة 2020، و الثاني عقب زلزال الحوز سالف الذكر، حيث شكلت الموارد المتأتية من تبرعات المغاربة أحد أكبر مصادر هذين الحسابين.
لذا، يُقترح في هذا الصدد قيام الدولة بحملات إعلانية للدعوة للتبرع المالي لفائدة حساب النفقات من المخصصات المتعلق "بتنمية الأقاليم الجنوبية" في الفترة التي تسبق و تلي بمدة قصيرة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، على ان يظل هذا الحساب مفتوحا على الدوام للتبرع، و أن تظل بالمواقع الرسمية إعلانات تحفز على التبرع له.
لقد بات حبنا و تعلقنا تجاه الصحراء المغربية على وجه الخصوص و الأقاليم الجنوبية بشكل عام، و عملنا من أجل تنميتها و الدفاع عنها أحد المقاييس الرئيسية لدرجة وطنيتنا و انتماءنا لهذا البلد العزيز؛ لذا ينبغي أن نكمل المسير في هذا السبيل تحقيقا للخير العام الذي نصبو إليه.