جرائم مؤنثة.. قتلتها بسبب زبون اللذة

الكاتب : الجريدة24

07 أبريل 2022 - 04:00
الخط :

رضا حمد الله

بينهن حرب باردة تخفيها بسمة يصطنعنها كلما تجمعن وتناوبن على تدخين سيجارة وهن ينهشن أعراض زميلاتهن كما تنهش الذئاب لحم الجيفة. في تلك الحديقة المشهورة بمهنتهن الأقدم في العالم، عادة ما يجلسن القرفصاء في انتظار زبائن أجسادهن المتآكلة، يؤدون قليل المال ثمن علاقة جنسية بدون أحاسيس ومشاعر.

تتفرقن مجموعات وطوائف بينها حرب غير معلنة إلا لما يحتد التنافس على زبون مار صدفة أو قاصدهن. حينها تقذف ألسنتهن قذائف كلمات غارقة في النتانة، تصيب السمعة والشرف وأي شرف لنساء فروجهن مفرغ سوائل منوية، ومختبر لفحولة رجال لا يكلفهم التدافع الجسدي لا الحميمي، إلا بضع دراهم تقتتن منها وتطعمن أبناء وذرية مجهول آباؤهم.

عابرو الحديقة الحاملة اسم قاعة سينما مجاورة، يعرفونهن بأسمائهن وخرائط وجوههن الفاقدة بريق الشباب وملامح الجمال وحتى تقاسيم الجسد وتموجاته. يعرفون حتى من تصطف منهن مع هذه الطائفة أو تلك، ولا يجهلون طبيعة الحروب الباردة بينهن سرعان ما تسخن بارتفاع حرارة أعصابهن. أما جيران الحديقة فعالمون بما لا يعلمه العابر، يحصون بدقة حصيلة مواجهات دامية تكلمن فيها لغة الدم والحديد، لما تضاربت مصالحهن.

لكل واحدة قصة ضياع قليلات تحكينها في مضاجع تحسن فيها بدفء فريد. جلهن من أسر أظناها الفقر والجهل والأمية، لفظتهن مبكرا أو بعدما شاخ الجسد. تفرقت بهن السبل والروافد، ووحدتهن مهنة يعشن منها ولو عيش الذبابة في بطانة الجيف. تأكلن من مرق فروجهن، وتشربن عرق أجسادهن، دون أن يتلذذن لذة في تدافع جسدي عابر يمتص رحيق جسد ذابل.

يقضين النهار في الحديقة، وفي الليل يصطفن غير بعيد في انتظار زبائن تلفظهم حانة مجاورة سمعتها نار على علم البشاعة. ولا يتوانين في تجنيد شباب لحمايتهن في أي معركة محتملة بينهن، أجرتهم حميمية أجسادهن. لكل واحدة حارس ليلي وأكثر، مستعدين لإراقة الدماء إن طافت طائفة على زبون سخي يعتبرنه ضحية (فيكتيم)، وهن منتظرات.

في تلك الليلة كن ثلاث، يحرسهن عدد مماثل من ذوي السوابق. انتظرن إلى ساعة متأخرة دون أن يساومهن أحد. كل المخمورين مغادري الحانة، تتلقفهم سياراتهم وتنتظرهم زوجاتهم أو لا رغبة لهم في أجساد مستهلكة. إلا واحد قصد إحداهن متمايلا بالكاد يحرك رجليه وشفتاه تلفظ بصعوبة كلمات متقطعة تحتاج خبيرا لفك شفرتها. المحظوظة منهن مكناة ب"الراسطا" اعتبارا لشكل تسريحة شعرها المفتول على الطريقة الإفريقية.

المفاوضات بينهما طالت أكثر من المتوقع، هي تتغنج وتناور كي تظفر منه بأكبر مبلغ مطنبة في الحديث عما تبقى في جسدها من محاسن، وهو شاطر في المساومة، يرفض أن يكون بالسخاء الذي تتوقعه. رغبة جنسية ويريد تلبيتها وبأقل ثمن ممكن. كل ما كان معه أنفقه في الحانة، وما تبقى يريد منه إمتاعا ومتعة.

لم تصل المفاوضات إلى حل مقنع لهما، قبل دخول طرف ثالث لم يكن سوى فتاة أصغر وأجمل قبلت بالسعر الأدنى للاستمتاع بجسدها من شخص ثمل تعي أن قضاء الليلة معه لن يكون مرهقا. اتفقا وتوافقا وتأججت نار الغيرة والغضب في نفس منافستها. لم تستسغ أن تأخذ منها زبونها، فعاتبتها بشدة. تبادلا السب وتعايرا بعبارات منتقاة من تحت الحزام، قبل أن يتشابكا بالأيدي وتمسك الواحدة بشعر الأخرى معلنتين انطلاق حرب ضروس أمام أعين الزبون الذي اكتفى بالتفرج.

ل"الراسطا" حماة تدخلوا لتخليصها من قبضة منافستها الأقوى التي تحول جسدها إلى مفرغ لغضبهم. بعضهم يركل ويلكم وآخرون ينهالون عليها بالضرب بكل ما توفر لهم من عصي وبقايا قنينات الخمر. ضرباتهم توالت  جروحها زادت ولم يتوقفوا عن إيذائها حتى وهي تحتضر  وقد تشكلت بركة من دمها على الرصيف جامع تيههن وجبروت حاميهن. صراخها وطلبها النجدة، زلزل هدوء ليل الفضاء، حتى أن جيرانا فتحوا النوافذ لتقفي أثر الصراخ الذي سرعان ما خف تدريجيا.

لا أحد تدخل لإنقاذها وتخليصها من قبضتهم حتى ممن لفظتهم هذه الحانة ومستخدموها. جبروت "الراسطا" وعشيقها، لا يقاوم. تركوها تواجه مصيرها بنفسها. وبعد مدة ضاقت فيها الفتاة كل أنواع التعذيب والتنكيل، خفت حركتها ولم تعد تقوى على الصراخ وحتى الأنين. إنها تحتضر والموت يطرق جسدها بقوة. لم يرحموها وهي تحتضر. ولم ينقذها منهم إلا وصول سيارة أمن من أقرب دائرة أمنية مداومة. تركوها وفروا بين الدروب ووسط الحديقة الشاهدة على تفاصيل يومياتهم البئيسة والرتيبة.

سقطت الفتاة ضحية تنافس شرس على زبون ثمل، وماتت في الطريق للمستشفى وانطلق البحث عن قاتليها. هم خمسة رصدتهم كاميرات المراقبة المثبتة بباب الحانة، كلهم شاركوا في إيذائها في جلسة تعذيب علني، رسموا على جسدها لوحة تيههم وضياعهم بعدما ساح دمها مخضبا رصيفا احتضنهم ولفظهم بعيدا إلى زنزانة السجن حاضنتهم لقضاء عقوبات متفاوتة.

عقدين من الزمن تقضيهما "الراسطا" وصديقها في السجن، أما ثلاثة من رفاق دربهما الغارق في الفوضى، فأنهوا المدة المحكومين بها واستعادوا حريتهم ليعودوا لنفس حياة الضياع في حديقة تلوثت بظاهرة لم تنفع الحملات في استئصالها.

آخر الأخبار