جريمة مؤنثة... قتلت ابنها واتهمت بائعي السجائر

جريمة مؤنثة... قتلت ابنها واتهمت بائعي السجائر

الكاتب : الجريدة24

06 مايو 2023 - 03:00
الخط :

جريمة مؤنثة... قتلت ابنها واتهمت بائعي السجائر

رضا حمد الله

جريمة مؤنثة... قتلت ابنها واتهمت بائعي السجائر

مر أسبوعان على اختفائه الغامض، ولم يعثر له على أثر في تلك القرية السياحية الجميلة المشهورة بمياهها المعدنية المعالجة لأمراض متعددة. الدرك يسابق الزمن لفك لغز الاختفاء، وكل أهل القرية منشغلون به ومترقبون ومنتظرون لعودته سالما معافى لأمه. جميعهم منوا النفس بذلك، مستبعدين إصابته بأي مكروه، فليس في القرية أشرار قد يختطفون ويحتجون أو يقتلون طفلا بريئا.

حالة أم هذا الطفل الوسيم ذي السبع سنوات، تبكي من لا بذرة عطف ورحمة في قلبه. هي دائمة النحيب كلما واساها قريب علنا، أما في خلوتها فالله وحده أعلم بها وبما يدور في خلدها.

- أين سيكون وماذا حل به، أتراه جائع أو لم يعد لجسده إحساس بالجوع والعطش؟

الأسئلة كثيرة تلوكها الألسن، ولا جواب مقنع يعري حقيقة اختفائه بين عشية وضحاها.

الدرك بحث في كل المسارات الممكنة لفك لغز هذا الاختفاء. مشط القرية واستنطق كل مشابه فيه بمن فيهم بائعي سجائر اتهمتهما الأم بالوقوف وراء اختطاف ابنها وإيذائه. وضعهما رهن الحراسة النظرية وعمق البحث معهما دون جدوى. كلاهما أنكر علاقتهما بالاختفاء أو علمهما ومعرفتهما بالفاعل. ذنبهما أن أحدا منهما نهره قبل ساعات من اختفائه لإبعاده عن حيث يبيعان السجائر وأشياء أخرى محظورة.

رواية الأم مخالفة لما أنكراه. أكدت للمحققين أن ابنها كان يلعب قريبا من مكان بيعهما السجائر وسط المنتجع، ونشل سيجارة محشوة بالمخدرات، وأتلفهما ما أغضبهما ليلاحقه أحدهما ضربه بقوة في أماكن مختلفة من جسمه، قبل أن يفر منهما دون أن يعود لمنزلها ليبقى اختفاؤه محير للجميع. شغب الطفل لم ينكره بائعا السجائر، وكذا مطاردته. وزكته شهادة طفل كان رفقته وأكد صفعه من طرف أحدهما.

الخيوط متشابكة ولا خيط ولو رفيع قاد لاكتشاف الحقيقة، وظل البحث متواصلا طيلة أسبوعين، حتى بعد إحالة بائعي السجائر على النيابة العامة التي تابعتهما لمسكهما مخدرات فقط بعدما لم تتوفر أي قرائن تثبت تورطهما في اختفاء الطفل، اللهم مما ادعته الأم ونفياه أثناء الاستماع إليهما تمهيديا. توالت الأيام وبقي الاختفاء محيرا حتى للمحققين، لكن الصدفة ستلعب دورا كبيرا في اكتشاف ما لم تكشتفه الأبحاث.

كانت الأم على علاقة عاطفية غير موثقة بعقد نكاح، مع أربعيني من القرية، رغم أن نفس المنزل جمعهما سنينا حملت فيها 4 مرات منه، أجهضت في ثلاث وأنجبت في الرابعة قبل سبع سنوات، ذاك الطفل الوسيم المحبوب لدى الجميع. علاقتهما لم تكن على ما يرام في أيام سبقت وأعقبت اختفاءه. كانا دائمي الخلاف وصدى صراخهما سمعه كل الجيران ممن لم يألفوا ذلك منهما.

- اي شيء هذا الذي قد يكون أفسد علاقة ود بينهما؟

لا أحد خبر بجواب عن السؤال، إلا المعنيين بتوتر هذه العلاقة التي لم تكن مبنية على أساس متين. كان أساسها المصلحة الشخصية، ولم قل منسوب المصلحة والاستغلال، تعكر صفاء ودهما وتلونت لياليهما بالسواد بعدما احمرت في فترات سابقة.

كانت الأم ادخرت مبلغا ماليا محترما من بيعها مواد تجميل. ومنذ علم الزوج غير الموثق بعقد، بذلك طمع في أن تقرضه إياه، لكنها رفضت.  كرر طلبه مرات وكررت رفضها مرات، وزاد الخلاف بينهما. كان الزوج/ العشيق على علم بسرها، استعمله ورقة ضغط للي يديها للقبول بإقراضه. لكنها لم ترضخ لكل وسائل الابتزاز، ما دفعه للبوح.

في ذاك اليوم الحار، ترجل بين منزلهما ومقر الدرك، طيلة مسافة الطريق كان شارد الذهن يفكر فيما سيقع بعد أن يبوح بالسر. وضع نصب عينه كل الاحتمالات بما فيها مساءلته بدوره على عدم التبليغ بحقيقة اختفاء ابنهما طيلة الأسبوعين. لكن قراره استقر على التبليغ ولو كلفه ذلك شهورا من حريته.

بمقر السرية استقبله رئيسها. وحكى لها تفاصيل وسر اختفاء ابنه الوسيم. رواية لم يصدقها المسؤول الدركي، لكنه أخذها مأخذ جد وأمر عناصره بإيقاف الأم واستنطاقه. حاصرها الضابط بشهادة العشيق، فأنكرت. لكن كل الأدلة كانت تضعها موضع شبهة، بما في ذلك جثة الطفل التي دلهم العشيق عليها. كانت متحللة وسط الرمال والماء بوادي مجاور للقرية. دفنت هناك، لكن المياه كشفتها. تشريح الجثة كشف وجود كسر في جمجمة الطفل.

لم يطل إنكار الأم بعدما حاصرتها عناصر الدرك بأسئلة دقيقة. اعترفت تلقائيا بقتل ابنها خطئا ودفنه بالوادي بعلم العشيق الذي تستر عليها طمعا في إقراضه بعدما استغله السر ورقة ضغط عليها.

في ذاك اليوم علمت الأم بنشل ابنها سيجارة بائعي السجائر المحشوة بالمخدرات والموضوعة بجانب طاولتهما. وبعودته عاتبتها وعنفته وأثناء ضربه تراجع إلى الوراء فسقط فوق سلالم المنزل وارتطم رأسه بقوة مع الأرض. إصابته كانت بليغة وجرحه كان غائرا. نزف دما كثيرا وتوفي بعد مدة قصيرة، لتقف الأم التي لم تنوي قتله، حائرة باحثة عن طريق للإفلات من العقاب. دفنت ابنها في الوادي وأبدعت رواية إيذاء بائعي السجائر له. لم تدري أن حبل الكذب قصير، وأن الحقيقة سيكشفها عشيق أهدته جسدها، وخان لما فشلت محاولاته ابتزازها.

آخر الأخبار