جريمة مؤنثة.. قوادة قتلت زبونها

جريمة مؤنثة.. قوادة قتلت زبونها

الكاتب : الجريدة24

04 مارس 2023 - 03:00
الخط :

جريمة مؤنثة.. قوادة قتلت زبونها

 رضا حمد الله

في تلك المدينة الجميلة المقترن اسمها إلى حين بالدعارة، يوجد حي سواسة سمي كذلك ربما لأصل وهوية قاطنيه. يحتضن دورا عتيقة حاضنة لمن فيها ولا علاقة لهم بأقدم مهنة في التاريخ.

لكنه معبر الباحثين عن اللذة في شقق بحي قريب. غالبيتهم يمر منه إلى حيث نساء حكمت عليهن الظروف عرض أجسادهم للبيع بأبخس الأثمنة أمام أبواب مشرعة شاهدة على تاريخ أسود لطخ سمعة مدينة بريء أهلها مما اشتهرت به، حتى أنه بذكرها يتبادر للذهن علاقتها بالدعارة.

في ذاك الصباح الماطر عثر عابر طريق، بالزنقة على جثة شخص خمسيني غريب، متوسط القامة ببشرة أقرب إلى السمرة وبشعر أسود تعرى من مقدمة رأسه. توجه لمقر المقاطعة القريب، وأخبر السلطة وحضر الدرك وانطلقت الأبحاث بتصوير الجثة وإنجاز محضر بالحال الذي وجد عليه.

كان منبطحا على بطنه والجروح بادية في رأسه والدم في جزء كبير من ظهره. فرضية قتله كانت الأرجح بين كل الفرضيات التي استحضرها المحققون من أول معاينة بالعين المجردة وقبل ظهور نتائج التشريح الطبي.

في ملابسه عثر على بطاقة هويته، إنه يقطن بمدينة جنوبية، وربما حل بهذه المدينة الصغيرة، للترويح عن نفسه وقضاء ليلية حميمية في حضن مومس بتلك الشقق المعدة لاستقبال أمثاله.

لكن من يكون قتله ورمى جثته هناك؟. سؤال حير المحققين وهم الأعلم بما يقع خلف الأسوار من حوادث مأساوية لمومسات وزبناء كلاهم يذوق المرارة نفسها ولو اختلفت المواقع والظروف. هناك عصابات تختطف وتحتجز فتيات تستغلن في كل شيء، حتى سرقة الزبناء، مقابل ما يوفر لهن من حماية من أصحاب العضلات المفتولة المستأجرين.

بحث الدرك قاد 15 شخصا للمساءلة. ومنهم بائع السجائر بالتقسيط. وحده أفاد بتفاصيل عن الحادث وما عاينه في تلك الليلة. ذكر أسماء 3 شباب منحرفين بألقابهم، كانوا يلعبون القمار إلى منتصف الليل بزاوية شارع مجاور، قبل أن يغيروا الوجهة لشارع آخر، قضوا بركن منه مدة وهم يعاقرون الخمر قرب متجر. وحكى كيف اعترضوا سبيل عابر سبيل عائد من حي الدعارة، لسرقته واعتدائهم عليه، دون أن ينفع استنجاده بحارس ليلي آخر.

بعودتي وجدت أحدهم ماسكا بيده اليسرى عنق الضحية، وباليمنى ساطورا يهم بضربه بواسطته.

قال الحارس الليلي ذلك ساردا تفاصيل تجريد الضحية من حذائه وسرواله وإسقاطه أرضا، وركله لما قاوم مهاجميه. أحدهم ضربه بساطور في رأسه، والباقي واصل تصفيته بدون رحمة ولا شفقة رغم توسله إليهم.

تركوه يصارع الموت وفروا في دروب مجاورة إلى أن تواروا عن الأنظار. هذه الإفادة أخذتها عناصر الدرك بعين الاعتبار، واعتقلت الأشخاص الثلاثة الذين أقروا تمهيديا بنفس التفاصيل وسلبهن الضحية 350 درهما اقتسموها فيما بينهم.

أحيل المتهمون الثلاثة على الوكيل العام وأودعوا السجن. وحقق قاضي التحقيق معهم طيلة 9 أشهر، لتظهر حقائق مثيرة وغير متوقعة. شاب عشريني يتقدم لمركز الدرك طواعية، للبوح بحقيقة قتل الهالك. قصد المحققين للبوح بالحقيقة بعدما أحس بتأنيب الضمير في ليالي طويلة جفل فيها النوم من عيونه وهو يفكر.

حكى لمسؤول الدرك رواية مخالفة لرواية بائع السجائر. كل ما قاله كذب في كذب، كما اعتراف المتهمين الثلاثة. لكن من حرض هؤلاء على تضليل العدالة؟. سؤال انكب الدرك على البحث عن جواب له.

الضحية لم يقتل بالزنقة حيث عثر على جثته. قتل في شقة معدة للدعارة تسيرها قوادة مشهورة بالمدينة. أجرت الأشخاص الأربعة وحبكت رواية مغايرة للحقيقة. الشاهد الذي قدم نفسه طواعية، أفاد بذلك وتفاصيل دقيقة.

خرج نحو السادسة مساء للتفسح وصادف ذوي السوابق الثلاثة المتبنين للجريمة. كانوا يعاقرون الخمر في أعلى الجبل وشاركهم الجلسة، قبل أن يتوجهوا لمنزل القوادة ليلا حيث أكملوا السمر.

كانت القوادة تسقيهم الخمر بنفسها، قبل أن تتركهم بالمنزل وتغادره. قضت 5 ساعات خارجه، وعادت مرفوقة برجل غريب. تركته بالغرفة وتوجهت إليهم مخبرة بحضوره وثرائه وحيازته مبلغا ماليا مهما. حثتهم على الاستيلاء على ماله واقتسامهم بينهم. بل أشرفت بنفسها على العملية.

تسلحت بعصا ونادت الغريب ليخرج من الغرفة ويلتحق من بفناء المنزل. لم يتأخر وجاء إليها، كان يظن أن ليلته ستزداد إمتاعا واستمتاعا، لكن غير المتوقع حدث.

ما أن وصل حتى طلبت منه تسليمها ما لديه من نقود، لكنه رفض وهم بالعودة للغرفة لجمع أغراضه ومغادرة المنزل.

لم تترك له فرصة الانصراف وهوت عليه بالعصا على قفاه فسقط من أول ضربة. سقط على رأسه دون حركة. لم يعد يقوى على النهوض فبالأحرى مقاومة جبروتها. وبعدما تيقنت من احتضاره، أمرت من بالمنزل بحمله خارجه.

وهو على ظهر أحدهم، ارتج فأنزله وتناولت سكينا وضربته في رأسه وظهره وأفرغت جيوبه مما فيها. حمل الضحية خارج المنزل وتخلص حاملوه منه في زنقة بحي سواسة وعادوا أدراجهم. ومن شدة البرد توفي الهالك قبل أن يعثر على جثته صباح من طرف عابر سبيل.

هذا ما حكاه الشاهد، مؤكدا أنه لم يذق طعم النوم منذ تلك الليلة، حيث ظلت صورة الهالك لا تفارقه. رواية جديدة قلبت البحث رأسا على عقب. ووجه بها الأشخاص الثلاثة المودعين في السجن، فأقروا بصحتها وانطلق البحث مع القوادة التي أنكرت وحاولت إبداع رواية مخالفة.

ادعت أنها بم تبت بمنزلها في تلك الليلة التي زارت فيها والدتها بمدينة مجاورة، ولم تعد إليه إلا فجرا. وتحدثت عن لقائها صدفة في طريق عودتها، ببائع السجائر والأشخاص الثلاثة الذين كانوا يعاقرون الخمر. اقتنت سجائر وغادرت دون أن تكترث للحالة غير الطبيعية التي كانوا عليها.

هذه الحكاية لم تقنع سامعيها من المحققين، قبل مواجهتها باعتراف الأظناء. تراجعت عنها وأبدعت أخرى أكثر إثارة. اعترفت باستضافة الضحية وممارسته الجنس مع واحدة من العاهرات اللائي تستأجرهن لمن يدفع. وأكدت أنه غادر المنزل ليلا دون أن تهتدي لوجهته. عبثا حاولت إبعاد التهمة عنها بكل الوسائل بما في ذلك محاولة إرشاء عناصر الدرك لغض الطرف عن للحقيقة وتكييف الرواية حسب هواه وبشكل يعفيها من الاعتقال والعقاب. لكن كل محاولاتها فشلت بعد تراجع بائع السجائر عن روايته وتأكيده إغراءها له لعدم ذكر اسمها في التحقيق.

حقائق وروايات متواترة لم تجد معها القوادة فير الاعتراف بتفاصيل ما وقع تلك الليلة، مزكية تصريح الشاهد الذي أنبه ضميره بعد 9 أشهر مرت على العثور على الجثة وبداية البحث.

اعترفت وتوسعت دائرة البحث ليشمل أشخاصا آخرين علموا بالجريمة ومنفذها وتستروا ولم يبلغوا بمن فيهم عاهرات بشقة القوادة وشاهدي عيان شاهدا عملية نقل الضحية من المنزل إلى الزنقة.

غالبيتهم توبع في حالة اعتقال، وبعد عدة جلسات أصدرت غرفة الجنايات أحكامها في الملف بإدانة القوادة بالسجن مدى الحياة، مقابل 25 سنة سجنا لمساعديها الثلاث وعقوبات متفاوتة للباقي.

آخر الأخبار