أمينة المستاري
لم يدخل موانيي فاس، لكنه توجه لردع المتمردين بمكناس لينتقل بعد ذلك إلى الساحل قبل أن يعود إلى الرباط. في يونيو 1911 استغلت اسبانيا بوادر هياج عند قبائل ناحية القصر، فأرسلت بارجتين واحتلت العرائش والقصر، ورغم احتجاج ممثل السلطان في طنجة لدى الهيئة الدبلوماسية لكن ظل دون مجيب.
انتهك ميثاق الخزيرات وبدأت ألمانيا تستعد للمطالبة بحصتها في الكعكة وأرسلت سفينة حربية لأكادير، بدعوى حماية مصالح ألمانيا، لكن الحقيقة أن ذلك كان لإرضاء الرأي العام الألماني، فقد كانت التقارير تؤكد أن أكادير سيكون لها مستقبل خاصة ما يتعلق بالثروة المنجمية ، إضافة إلى أن ألمانيا كانت ترى فيها قاعدة بحرية ، لكن بريطانيا اعترضت ، فبدأت عملية المفاوضات في غشت تحت تهديد مدافع "بانتر"، لكنها اتخذت وجهة أقل خطورة، وانتهت في 4 نونبر 1911 بالاتفاق الفرنسي الألماني الذي أقرت هذه الأخيرة لفرنسا حق تقديم المساعدة للمغرب لإدخال إصلاحات إدارية وقضائية ومالية وعسكرية وتقبلت أن يكون ممثل فرنسا في المغرب هو الوسيط بين المملكة الشريفة والقوات الأجنبية مقابل احترام التكافؤ الاقتصادي وتعويضات في الكونغو.
خصص المؤلف والجاسوس الفرنسي فريديريك وايسجربر ابتداء من الفصل 17 لذكرياته الشخصية، يحكي فيها كيف تم إيفاده من طرف صحيفة "الطان" سنة 1910 إلى المغرب دون تعليمات واضحة، فحصل من وزارة الشؤون الخارجية على توكيل بمهمة طبية وجغرافية وصفها ب"شديدة الإبهام ليكون في مقدوري أن أحملها على المحمل الذي أريد".
كانت مهمة الجاسوس استكمال عمل دي سيكونزاك وجنتيل وآخرين لإنجاز خرائط عامة واستكشاف مختلف مناطق المغرب بشكل محكم.
كان يؤمن بأن الأحداث ستجعل فرنسا تحتل فاس ومراكش، لذلك عمل على سبر أغوار المدينتين. فتوجه إلى فاس بعد أن قدم نفسه للمكلف بالشؤون الفرنسية بطنجة، وشراء حصانين وبغلين وخادما وسائسا. استقبله كايار، القنصل الفرنسي بفاس فقد سبق لهما أن تعارفا سنة 1900 بالدرا البيضاء، وتمن من الحصول على رسائل من مولاي عبد الحفيظ لتسهيل تحركاته في القبائل إلى أن زال مفعولها مع مرور الوقت.
تمكن من إنجاز خريطة فاس وهي التي اعتمدها الجنرال موانيي عند زحفه لعاصمة الشمال، أما خريطة مراكش فسلمت للكولونيل مانجان عند هجومه على عاصمة الجنوب. كان الجاسوس يقوم بجمع المعلومات العراقية والسياسية ويفحص المرضى ويوزع الأدوية، ثم يرسل رسائل للصحيفة. خدمات تركت إحساسا بالرضا ، كما جاء في مذكراته، باعتبار أن الخريطتين أفادتا بلده فرنسا، خاصة وقد كان يخرج رفقة المحلات تارة وبمفرده تارة أخرى...عيشة اعتبرها مثالية حرة ومفيدة تتخللها المفاجآت والمغامرات، سردها تباعا خاصة لمرحلة احتضار المغرب القديم.
