كيف تطورت القدرات العقلية للبشر منذ 70 الف سنة ؟

الكاتب : الجريدة24

31 مارس 2025 - 09:00
الخط :

كتاب "العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري" من تأليف يوڤال نوح هراري، يقدم ملخصاً شاملاً لتاريخ البشرية من ظهور الإنسان الأول إلى العصر الحديث.

الكتاب حضي باهتمام واسع، ودفع بيل غيتس إلى تقديم نصيحة لكل مهتم بتاريخ الجنس البشري أن يقرأه، وبيعت منه ملايين النسخ، وقام بترجمته حسين العبري وصالح بن علي الفلاحي.

قسم الكاتب مؤلفه إلى أربعة أجزاء رئيسية (الثورة الذهنية، الثورة الزراعية، توحيد البشر، الثورة العلمية)، ثورات مهمة في مسار التاريخ، حيث قدحت الثورة الأولى زناد التاريخ قبل 70 ألف سنة، وسرعته الثورة الثانية قبل 12 ألف سنة، وقد تنهيه الثورة العلمية التي ظهرت قبل 500 سنة.

يستعرض هراري تأثير تلك الثورات في البشر والكائنات المرتبطة بهم، وأهم المراحل التي شكلت تطور الجنس البشري وتأثيرها على المجتمع، والثقافة، والبيئة، وعلاقات البشر ببعضهم.

 الثورة الإدراكية أو الذهنية

في هذا الجزء، يناقش هراري كيفية تطور القدرات العقلية للبشر منذ حوالي 70,000 سنة، مما ميزهم عن بقية الكائنات الحية. يشير إلى أن البشر لم يكونوا الأذكى أو الأقوى جسدياً،

لكنهم اكتسبوا ميزة الإدراك والتعاون من خلال اللغة والخيال، مما ساعدهم في بناء مجتمعات أكبر وتبادل الأفكار وتطوير الثقافات. ويرى هراري أن هذه القدرة على التفاعل والتفاهم سمحت للبشر بتأسيس ميثولوجيا وأساطير مشتركة، والتي ساهمت في توحيد المجموعات البشرية في جماعات أكبر، وساعدتهم في التعاون بطرق غير مسبوقة.

في هذا الفصل، يتناول هراري المرحلة التي بدأت منذ حوالي 70 ألف سنة، حيث خضعت أدمغة البشر لتغيرات جذرية في القدرة على التفكير والتخيل والتواصل. يوضح أن هذه الثورة سمحت للبشر العاقلين (هومو سابينس) بتطوير لغة معقدة، الأمر الذي مكنهم من نقل المعلومات بسرعة وتشكيل مجتمعات أكبر وأكثر تعقيدًا. يشير الكتاب إلى أن اللغة والقصص المشتركة مهدت الطريق للتعاون الكبير وظهور الحضارات.

حيوان لا أهمية له

ظهر البشر قبل وجود التاريخ، لم يكن متميزا، ولم يكن يعلم بمقدراته الإدراكية التي قادته سلالته لاكتشاف الذرة...

الكتاب مزج بين البيولوجيا والميثولوجيا....وقد أرجع أصل الإنسان العاقل إلى فصيلة النسانون الكبار التي تتميز بصخبها، وتشكل الشنابر والغوريلات والأورانجوتانات أقرب أقاربه الأحياء، وأحفاد لإحدى النسانات التي عاشت قبل 6 ملايين سنة.

هياكل عظمية في الخزانة

يؤكد الكاتب أن للإنسان العاقل أبناء عمومة من الشنابز أو الغير متحضرين، بل وإخوة أيضا ولخص كلمة إنسان في "حيوان ينتمي لجنس الإنسان"، فهناك أجناس إلى جانب الإنسان العاقل، وحرص على استخدام مصطلح "العاقل والعقلاء" للتمييز بين الجنسين.

يرجع هراري أن تطور البشر بدأ قبل حوالي مليوني ونصف سنة، فقد رحل الرجال والنساء إلى شرق إفريقيا وأوروبا وآسيا، وضع العلماء لكل صنف إسما فمنها "إنسان نياندرتال" الضخم الذي تكيف مع مناخ العصر الجليدي البارد، و"الإنسان المنتصب، الذي استوطن شرق آسيا، إضافة إلى "إنسان سولو" الذي عاش في جزيرة جاوا بأندونيسيا.

في جزيرة فلورس بإندونيسيا، وبعد أن انخفاض مستوى البحر، استقبلت بعض البشر الذين علقوا فيها، وبسبب قلة الطعام مات منهم الأكبر حجما، وبقي منهم الأصغر حجما حتى أصبحوا أقزاما، بحيث لم يتجاوز طولهم مترا واحدا.

تحدث هراري عن عظمة الأصبع التي وجدت بكهف بسيبيريا تعود لإنسان مجهول أطلق عليه " إنسان دينيسوفا"...مجموعة من البشر الذين تطوروا بأوروبا وآسيا وشرق إفريقيا، وتنوعت التسميات بين إنسان رودولف، الإنسان العامل، والإنسان العاقل....واختلفت أشكالهم وطرق حياتهم وتنقلاتهم لكنهم كانوا جميعهم بشرا.

كلفة التفكير

يميز هراري الإنسان "العاقل" عن باقي الأنواع البشرية بالآلة التفكير "دماغه الكبير"، التي دفع البشر الغابرون ضريبته، فقد أنفقوا وقتا في البحث عن الطعام وضمرت عضلاتهم.

وأيضا يتميز الإنسان بالمشي منتصب القامة، وتحررت بذلك اليدين للقيام بأعمال أخرى كإنتاج واستخدام أدوات معقدة، وطرح الأمر تحديا آخر وهو حمل العمود الفقري جمجمة كبيرة وبالتالي ظهور آلام الظهر وتصلب العنق، وتقلصت قناة الولادة لدى النساء بسبب وركين ضيقين، وازدادت حالات وفاة المواليد أو عدم اكتمالهم، وفاة النساء، عدم اكتمال نمو الأطفال...

لكن رغم هذه الميزات التي ميزت البشر، إلا أنهم ظلوا كائنات هامشية وضعيفة، خاصة الخوف من الحيوانات، لكن مع بروز الإنسان العاقل في 100 ألف سنة الأخيرة تحول إلى قمة السلسلة الغذائية، لكنه لم يتأقلم مع تطورات النظام البيئي، وتميز بالخوف والقلق على عكس الحيوانات المفترسة، وهو ما جعل البشر قساة، يقول هراري، ونتج عنه الحروب والكوارث البيئية...

سباق الطباخين

للوصول إلى القمة، كان على البشر استخدام النار وترويضها، وذلك قبل 800 ألف سنة، وتمكن من توفير الضوء والتدفئة والسلاح بمواجهة الأسود والحيوانات الخطيرة وتمكن من الحصول على غذائه ( حيوانات، مكسرات...) بحرق الغابات، ومكنته النار من طهي ما لم يستطع أكله نيئا بقتل الجراثيم والطفيليات المتواجدة بها، ومكن من خفض وقت المضغ وبالتالي عدم استهلاك طاقة أكثر سواء بالنسبة للدماغ أو للأمعاء.

 قيمون على إخوتنا

يؤكد هراري على أن الحيوانات المصنفة كإنسان عاقل عاش بأرخبيل إندونيسيا وشبه جزيرة إيبيريا وبشرق إفريقيا، قبل 150 ألف سنة، وانتشر إلى شبه الجزيرة العربية قبل 70 ألف سنة، في حين كانت هناك أنواع بشرية أخرى استوطنت أوراسيا.

طرح هراري تساؤلا حول مصير تلك الأنواع، ووضع فرضية التهجين، أي تزاوج المهاجرون الأفارقة بمجموعات بشرية أخرى كالنياندرتال أصحاب الأدمغة الكبيرة، وهو ما يرجح أن الأوراسيين ليسوا عاقلين أنقياء، فقد اختلطوا فيما بينهم، وهو شأن العقلاء الذين تزاوجوا مع المنتصبين المحليين بشرق آسيا( الكوريين والصينيين).

يورد هراري نظرية مضادة، وهي نظرية الإحلال التي ترجح نظرية الإبادة الجماعية، بوجود فجوة جينية لا تسمح بالخصوبة بين النياندرتال والعقلاء، وبموت الأول تموت جيناته معه

وبالتالي حل العقلاء محل المجموعات البشرية الأخرى، وأصبحت أنساب كل البشر المعاصرين "عقلاء أنقياء"، وهي النظرية التي نشرت نتائجها سنة 2010 وتوصلت إلى أن النياندرتال والدينيسوفا ساهما بنسبة قليلة في جينوم العقلاء، وكون الاتصال بينهم وبين العقلاء كان نادرا جدا.

لا ينفي هراري بناء على ما تم التوصل إليه من طرف علماء الجينات أن هناك مناطق رمادية، وليس فقط بيضاء و سوداء، فقد كانت المجموعتين قادرتين على التناسل والإنجاب بشكل نادر

قبل أن تصبحا مختلفتين وسارتا في طرق تطورية منفصلة، وكان الإنسان العقلاء مختلفين أيضا بالقدرات الذهنية والاجتماعية، يقول هراري:" كانت هناك فرض نادرة لإنتاج ذرية خصبة بين العقلاء والنياندرتال...إنه لأمر مقلق أن نفكر في أننا نحن الإنسان العاقل  عاشرنا مرة حيوانا وأنجبنا منه أطفالا معا".

يعود لطرح سؤال سبب اختفاء النياندرتال والدينيسوفا ؟ يورد هراري احتمالات حول فرضة الانقراض التي تسبب فيها العقلاء بالصيد والحصول على الطعام في وقت عجز المجموعتين عن توفيره وتضاءل عددهم إلى أن أصابهم الفناء، باستثناء واحد أو اثنين التحقا بالعقلاء، أما الاحتمال الثاني فهو وقوع مذابح جماعية أو تطهير عرقي بسبب المنافسة على الموارد، خاصة وأن العقلاء لم يكونوا متسامحين خاصة بسبب اختلاف اللون أو الجلد أو الدين وهو حال العقلاء في لعصور الحديثة فما بالك بالعصور الغابرة.

أسئلة عديدة طرحها هراري حول ماذا لو اندمجت هذه المجموعات مع العقلاء؟ فقد ساد الاعتقاد أن الإنسان العاقل النوع البشري الوحيد وأنه صفوة الخلق، طبعا فقد قام بمحو وإبادة النياندرتال من على وجه الأرض،

يؤكد المؤلف، الذي يضيف أن العقلاء كانوا لا يصلون إلى منطقة إلا وتنقرض المجموعات المحلية هناك، ويستشهد ببقايا إنسان سولو التي رجحت لحوالي 50 ألف سنة، وإنسان دينيسوفا بعد ذلك، ثم النياندرتال قبل 30 ألف سنة

أما الإنسان شبيه الأقزام فقد اختفى من جزيرة فلورس قبل 12 ألف، وذلك بناء على مجموعة من بقايا عظام وأدوات حجرية وبعض الجينات...مجموعة من الأسئلة طرحها هراري حول سبب استقواء العاقل ورجح أن اللغة ميزته وجعلته يغزو العالم.

آخر الأخبار