بعد أن سمع المستعمرون الإسبان في جزر الكاريبي عن إمبراطورية الأزتك في المكسيك، لم تمضِ سوى أربع سنوات حتى اختفت الإمبراطورية من الوجود، ليحل مكانها حكم هيرنان كورتيز على إمبراطورية جديدة وواسعة في المكسيك. ومن ثم، بدأ الإسبان في اكتشاف غزو الأراضي في جميع الاتجاهات. وبعد عشرة أعوام، اكتشف فرانسيسكو بيزارو إمبراطورية الإنكا في أمريكا الجنوبية، ودمّرها في عام 1532م.
يشير هراري إلى أن الأزتك والإنكا لم يكن لديهم أي علم بما فعله الإسبان بشعوب المنطقة الأخرى، ولم يكن لديهم فكرة عن وحشية الغزاة. كانت المستعمرات جحيمًا للسكان الأصليين، حيث فرض عليهم المستعمرون حكمًا قاسيًا، واستعبدوا الكثير منهم وقتلوا أي شخص أبدى مقاومة. وقد قضى معظم السكان في وقت قصير إما بسبب الظروف القاسية للعمل أو الأمراض التي جلبها الغزاة عبر سفنهم. في غضون 20 عامًا، تم إبادة سكان جزر الكاريبي، مما دفع الإسبان لاستيراد العبيد الأفارقة.
يمكن اعتبار هذا الغزو بمثابة هجوم من الفضاء الخارجي، حيث لم يكن الأزتك يعرفون شيئًا عن الإسبان. كانوا يظنون أنهم يعرفون العالم بأسره وأنهم حكموه، لذا كان ظهور الإسبان في شواطئ فيراكروز مفاجأة مدهشة لهم. دهش الأزتك من مظهر الإسبان، ثقافاتهم المادية، وأسلحتهم مثل السيوف والدروع. بعضهم اعتقد أنهم أمام آلهة، بينما آخرون ظنوا أنهم شياطين أو أشباح الموتى أو سحرة. استهانوا بعدد الإسبان الذين رافقوا كورتيز ولم يدركوا أنهم أمام مغامرين شجعان. ولكن بمساعدة الأعداء المحليين للأزتك، تمكن كورتيز من الزحف إلى عاصمة الأزتك وأسر الإمبراطور مونتيزوما الثاني في لقاء انتهى بمجزرة للجنود الحراس. وأُجبر الإمبراطور على التصرف كأنه ما زال يحكم، لكن كورتيز كان هو من يدير البلاد. ومع ذلك، ثار النخبة على الإمبراطور وكورتيز، وانتخبوا إمبراطورًا جديدًا، لكن كورتيز عمل على إثارة الانشقاق والفرقة بين شعب الأزتك وأقنع الشعوب الخاضعة لهم بالانضمام إلى صفه. وهذا كان خطأً فادحًا، إذ غيروا عدوًا بآخر أشد سوءًا، ولم يعلموا أن الإسبان سيتحكمون في مصيرهم.
ومع وصول الإسبان من كوبا وإسبانيا، كانت الساكنة المحلية قد اكتشفت ما يحدث، لكن الوقت كان قد فات، وتقلص عددهم بنسبة 90% من السكان الأصليين.
وصل بيزارو إلى شاطئ إمبراطورية الإنكا بعد عشر سنوات من وصول كورتيز، وكان عدد رجاله 168 فقط. أعلن بيزارو نفسه مبعوثًا سلميًا من ملك إسبانيا، ودعا حاكم الإنكا، أتاهولبا، إلى لقاء دبلوماسي ثم اختطفه، وبدأ في غزو الإمبراطورية بمساعدة الحلفاء المحليين.
يشير هراري إلى أن الشعوب الأصلية في الأمريكتين دفعت ثمناً باهظاً بسبب قصر أفقهم. وفي المقابل، كانت الإمبراطوريات في آسيا مثل العثمانية والصفوية والمغولية والصينية قد سمعت عن اكتشافات الأوروبيين، لكنهم لم يظهروا اهتمامًا كبيرًا بها ولم يحاولوا منافسة أوروبا في أمريكا أو الممرات البحرية الجديدة عبر المحيط الأطلسي والهادئ. كما لم تقم أي من الدول الإسلامية أو الهند أو الصين بحملات اكتشاف أو غزو لأمريكا، باستثناء اليابان، التي احتلت جزيرتين صغيرتين قبالة آلاسكا (كيسكا وأتو) حيث أسروا أمريكيين.
خلال 300 عام، حكم الأوروبيون بلا منازع أمريكا وأوقيانوسيا والمحيطين الأطلسي والهادئ، ونجحوا في غزو آسيا وتقاسم إمبراطورياتها.
وفي القرن العشرين، تبنت الثقافات غير الأوروبية رؤية عالمية حقيقية ساعدت على انهيار الهيمنة الأوروبية، فهُزمت فرنسا في مستعمراتها، وهُزم العملاق الأمريكي في فيتنام بفضل النضال المحلي الذي أصبح قضية عالمية.
تعمقت العلاقة بين العلم والإمبراطورية، فقد كان بناء الإمبراطورية مشروعًا علميًا، بينما كان تنظيم النظام العلمي مشروعًا إمبرياليًا.
يشير هراري إلى أن المسلمين عند غزوهم للهند لم يصطحبوا علماء آثار أو علماء أنثروبولوجيا أو جيولوجيا، بينما فعل البريطانيون ذلك. فقد قاموا بمسح شامل للهند استمر 60 عامًا، رسموا خلالها خريطة البلاد بالكامل، واكتشفوا الموارد العسكرية، مواقع مناجم الذهب، معلومات عن العناكب الهندية النادرة، وتتبعوا أصول اللغات الهندية المندثرة، واكتشفوا أول حضارة هندية دُمرت حوالي عام 1900 ق.م. كما فك ضابط بريطاني، هنري رولنسن، رموز الخط المسماري الذي كان يُستخدم في أنحاء الشرق الأوسط قبل نحو 3000 سنة، بعد وفاة آخر من كان يستطيع قراءته في بداية عصر الميلاد. ولولا الإمبرياليين مثل رولنسن وويليام جونز، لما كانت لنا معرفة بحضارات الشرق الأوسط وثقافاته