مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة22

الكاتب : الجريدة24

03 أبريل 2024 - 10:20
الخط :

أمينة المستاري

توقيع معاهدة الحماية

صادق مجلس النواب ومجلس الشيوخ على الاتفاق الفرنسي الألماني وكلفت الحكومة مندوبها في طنجة السيد رينو، وتم تعيين أفراد البعثة 15 من بينهم وزير مفوض شرفي سبق له العمل في مدارس المشرق، وبرلماني شاب، وموظف سام من الحكومة العامة بالجزائر، وقنصل من الشرق وضابطين وأربع سيدات، أربعة أعوان من المفوضية...أما الصحافة فكانت ممثلة في مراسلي وكالة "هافاس" و"لوماتان" و"لاديبيش ماروكين" و"الطان".

قام الجاسوس الفرنسي والطبيب فريديريك بسرد مجموعة من الأحداث التي سبقت توقيع معاهدة الحماية، وكذا التي تلتها. نقل في مذكراته علاقته بالسفير الفرنسي "رينو" و"م.ب" أحد معاونيه الغريب الأطوار.

ويستعيد فريديريك بعض الأحداث أيضا التي عاشها في سيدي اليمني، بين طنجة والقصر، إل جانب السيد رينو والاستقبال الذي لقياه من طرف القادة الفرنسيين، وسرد أحداث دخوله فاس مع السفير الفرنسي والاستقبال الذي حضيا به من طرف الساكنة على امتداد أحياء المدينة، بما فيها الفرق الموسيقية اليهودية بالملاح التي عزفت "الأم ميشال" النشيد الوطني الفرنسي آنذاك، فيما لم يتعامل أصحاب الدكاكين والزبناء بالوفد إلى أن بلغوا دار الكلاوي التي أعدت لتقيم فيه السفارة التي ستقوم بالمفاوضات من أجل التوقيع على معاهدة الحماية.

استنتج الجاسوس أن انطباع الساكنة لم يعد كما عهده قبل ستة أشهر، فقد كان ميولهم سيئا اتجاه أعضاء السفارة، بسبب عدم تحسين أوضاعهم واستغلالهم من طرف المخزن، فانقلبت كراهيتهم له وانقلبت نحو الفرنسيين .

بعد ستة أيام من المفاوضات والمساومة حيث قدمت للسلطان الذي كان يهدد بالتنازل عن العرش، عرضا لم يكن ليجد أفضل منه، يقول فريديريك، وهو الحصول على مبلغ مالي كبير جدا وترحيله إلى فرنسا، وفي 30 مارس 1912 وقع على معاهدة الحماية، واتفق مع رينو على كتمان الأمر إلى حين رحيله إلى الرباط.

وصل الخبر صحيفة "الطان" من مصدر آخر غير مراسلها فريديريك، لكن السيد رينو أنكر الخبر بعد أن جاء صاحب التسريب "هوبير جاك" لحضور حفل استقبال أقيم في القصر، لكن دون جدوى.

انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وانتفض الشرفاء والعلماء وباقي الساكنة، واعتبروا أن جزءا من دار الإسلام قد بيع للمسيحيين.

فضل الجنرال موانيي الرحيل إلى الساحل  بمعية جنوده باستثناء كتيبتين وسرية ونصف سرية كانت معسكرة بدار دبيبغ، وبموازاة معه كان مقررا رحيل السلطان إلى الرباط ومنه إلى أوربا وفي جيبه مليون فرنك، ويتم التكتم على تاريخ الرحيل.

وفي ترصيح خص به مراسل "الطان" فريديريك، صرح مولاي عبد الحفيظ بعد توقيعه على الحماية أنه يترقب تعاونا بين موظفي المخزن وأجهزة تنفيذية تكون على اتصال مباشر بالسكان والأعوان الفرنسيين المكلفين بالإدارة المباشرة والمراقبة، إلا أن خبرته بالطبيعة البشرية تجعله يشك في إمكانية تطبيقها عمليا. معربا عن ثقته بالنوايا الحسنة لفرنسا، وبكونه مستعد لدعمها، وبأن المخزن والحكومة الفرنسية سيصبحان كيدين لرجل واحد...تصريحات لم يكن يشاطرها أهل فاس، بتعليق فريديريك، فقد ساءت الأحوال من تافودايت حتى دبدو بالأطلس المتوسط، وبفاس وقعت حالات اعتداء من بعض المتعصبين، وتعرض الأوربيون بالسب والشتم من طرف الأطفال...ولم يتمكن أعوان فرنسا من قمع التجاوزات بسبب عدم دفع أجور الموظفين المخزنيين ، وفقد السكان الثقة في الفرنسيين.

أرسل فريديريك رسالته إلى السيد رينو الذي لم ترقه الملاحظات التي ذيلها الجاسوس في مراسلته، لكنه اكتفى بهز كتفيه، وشاءت الصدف أن يلتقي الجاسوس أحد أصدقائه، هذا الأخير حذره من السفر بمعية السفير والسلطان لأن القبائل ستشن هجومها على الموكب، بعد أن علموا بتاريخ الرحيل. ورغم محاولته إيصال مجريات الحديث للسفير لكن دون جدوى، وعشية الرحيل شاءت الأقدار أن تكفهر السماء وتتساقط الأمطار القوية، ليتم إرجاء السفر إلى اليوم الموالي.

آخر الأخبار