الرئيس الخامس للجمهورية التونسية!!!

الكاتب : الجريدة24

16 سبتمبر 2019 - 04:00
الخط :

عبد الرحيم التوراني

أكتبها هنا وأقولها دون انتظار نتائج الدور الثاني بعد أسبوعين، إلا إذا حدثت معجزة، وهو أمر مستبعد.

فوز الأستاذ الجامعي قيس سعيد بأكبر عدد من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التونسية، فيه نصف عزاء للتيار الاسلامي ولحركة النهضة الإسلامية، إن لم نجزم بالقول إن فيه العزاء كله، خصوصا وأن كثير من المتتبعين يشيرون بوضوح إلى أن وضع أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، وآخرين اثنين على الأقل، في حلبة السباق الرئاسي، كان بمثابة عجلة احتياط جديدة وغير مستعملة، فاعلة إذا لم تَمْش عجلة المرشح النهضوي الرسمي. وها هي تخوفات مستشاري الشيخ راشد الغنوشي تتحقق، إذ لم يكن بعجلة عبد الفتاح مورو ما يكفي من الهواء المضغوط كي"يمروا" إلى سرايا قصر قرطاج، ويدخلوه دخول "الفاتحين" الأسلاف الميامين في غزوة الأحد 15 من سبتمبر 2019..

المرتقب هو نزول الإسلاميين بكل ثقلهم وعدتهم وأعدادهم لمساندة المرشح قيس سعيد، وحشد الأصوات لصالحه حتى تميل كفته وترجح، فابن بلدة "بيت خيار" معروف عنه أنه رجل محافظ، تتقاطع أفكاره ومواقفه التي يجهر بها مع مواقف حزب النهضة وأقطابه، بل ويزيد عليهم أحيانا، خاصة في ما يتصل بالحريات الفردية ودغدغة المشاعر الدينية والقومية لدى أوسع الفئات الشعبية البسيطة، وقد قالها صراحة إنه يجب تطبيق النص القرآني بخصوص الميراث، الذي نادى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بمساواة الرجل والمرأة بشأنه.

سيدعم الإسلاميون والتيار المحافظ المرشح رقم 17، الذي تحول فجأة إلى رقم 1 بحصوله على أعلى الأصوات، وسيصنعون منه المرشح الأكثر جاذبية لدى الفئات الشعبية المحافظة، ولدى كل المستعدين للوقوف لمواجهة المد الفرنكفوني والليبرالية المتوحشة، والراغبين في هزم حزب فرنسا، ممثلا برجل الأعمال نبيل القروي. وإن كانت فرنسا، كما الولايات المتحدة الأمريكية، لا تمانع في أن يدخل قصر قرطاج واحد إسلامي من فصيلة النهضة، أو من المقربين المحسوبين على نهجها، فالمهم لديها هو الحفاظ على مصالحها أولا، ولكم دينكم وللغرب دين استمرار المصالح ودوام الهيمنة. ناهيك عن كون منصب الرئاسة اليوم في تونس وفق الدستور الجديد دون صلاحيات البرلمان ورئاسة الحكومة.

لن يكون نبيل القروي الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا أو الجزائري أحمد بنبلة، من السجن إلى كرسي الرئاسة، كما يحب أن يوحي لنا أنصاره، إذ أطلقوا حملته من أمام باب السجن الذي يقبع فيه (زنزانة من خمسة نجوم)، كما توجهوا إلى السجن ذاته بعد ظهور نتيجة الدور الأول. فمانديلا وأحمد بنبلة لم يدخلا السجن بسبب تهم الفساد والتملص الضريبي وغسل الأموال والاحتيال، ولا كانا من "ذوي السمعة السيئة" - كما يتهم الخصوم السيد نبيل القروي-، بل كانا زعيمين ورائدين كبيرين، يكافحان من أجل شعبيهما في الحق في الاستقلال والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. ولم يستثمرا في بؤس الطبقات الدنيا من الشعب، أو قام أحدهما بترويج صوره عبر قنوات ووسائل إعلامية يملكها، وهو يوزع مواد غذائية على المعوزين.

كان على القضاء التونسي أن يجتهد قليلا كي لا يجد اليوم نفسه أمام معضلة حقيقية، وليس أمامه الآن سوى تمتيع القروي بالسراح، وإن كان لا يزال تحت التحفظ فقط، ليتيح له مخاطبة الناخبين مباشرة والوقوف وجها لوجه أمام منافسه المجتهد في حل الإشكاليات القانونية المتصلة بالدستور.

أما التراجع المبين لقوى اليسار المتشرذم ولتيارات الوسط الديمقراطي، فهو العنوان العريض للنتائج التونسية، إذ مثّل سقوطا مدويا تردد عبر أرجاء الخريطة العربية. ولا أظنه سيكون درسا لليسار المحلي هنا في المستقبل المنظور، والاستحقاقات التشريعية بالباب، ولا إشعارا لليساريين وللديمقراطيين في المنطقة العربية بما ينتظرهم. إذ ستستمر وتيرة الانقسامات ومنسوب التشرذم، وتنشط الخلافات الداخلية تنهش الجسد اليساري الجريح، فيما تتسع الهوة بين الشعب والنخبة السياسية، كي تفتح المجال على مصراعيه أمام الفكر الظلامي وكتائب السلفية المتطرفة، خاصة في المناطق الأكثر هشاشة وفقرا وبؤسا.

وتظل تونس تسير في منعرجات صعبة ووعرة، قبل أن تهتدي إلى سلوك الطريق السيار والنهج السوي والقويم على درب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والحد من التهميش بكل أشكاله الاجتماعية والسياسية والثقافية وبناء دولة الحق والقانون.

ويبقى النموذج التونسي إلى حين يتأرجح في إعادة الانتقال الديمقراطي إلى مساره الصحيح من أجل ترسيخ المكاسب وضمانها.

أما قيس سعيد، الذي يتهيأ لاستبدال كرسي الجامعة بكرسي الرئاسة، فهو أول ممتهن للتعليم العالي سيكون رئيسا لتونس، بعد المحاميين الحبيب بورقيبة والباجي قايد السبسي، والعسكري الجنرال زين العابدين بنعلي، والطبيب منصف المرزوقي.

لا أحد ينتظر من قيس أن يظهر لنا جنونه بحب تونس من خلال فصاحة اللسان التي يملك نواصيها، بقدر ما ينتظر منه التونسيون أن يحقق لهم ما ينعكس إيجابا على أحوالهم اليومية، وما يمكن أن يتردد نجاحه وصداه في المعمورة وفي البلاد العربية اساسا.

رأي