مهن تقاوم الاندثار: المرشد المعالج والخيمة والناقة

الكاتب : الجريدة24

02 مارس 2024 - 12:00
الخط :

أمينة المستاري

على بعد حوالي 30 كلم عن مدينة زاكورة باتجاه محاميد الغزلان يمر الزائر على مركز تامكروت، لتبدأ ملامح الصحراء في البروز وبعد قرابة خمس كيلومترات تنعرج السيارة يسارا لتدخل في صحراء تينفو حيث تشكلت عبر العصور ربوة رملية يقصدها السياح للتزحلق وأخذ حمام رملي والاستمتاع بكقبانها.

بجلبابه الشتوي وغطاء رأسه "الفروال" الذي يقيه من شمس الصحراء الحارقة، وقف عبد الرحمان عزي، مرشد وصاحب خيمة صحراوية بدوار تينفو المعروفة برمالها الذهبية الممتدة على 7 كيلومترات تقريبا، يترقب بصبر حضور الزبناء القادمين إلى المنطقة والراغبين في القيام بجولة على ظهر الرمال، أو المبيت تحت ضوء القمر والاستمتاع بأحد منابع الهدوء والجمال بزاكورة.

بحفاوة وطيبوبة يستقبل عبد الرحمان بمعية بعض أفراد أسرته الزوار الراغبين في زيارة المنطقة، وداخل خيمته يستضيفهم ويقدم لهم الشاي أو الطاجين أو المشوي والسلطة، كل حسب رغبته، كما يحضر بمعية بعض أفراد أسرته حمامات رمال لمن يعاني من أمراض كالروماتيزم...

لم ينتظر عبج الرحمان دعم الدولة بل صنع مرافق سياحية تجذب السياح من لا شيء يرتدي لباسا صحراويا أزرق، ضعيف البنية طويل القامة، كثيف الحاجبين، تنم لهجته عن أصله الصحراوي، فهو ابن المنطقة وملم بعادات أهلها سواء الغذائية أو التراثية ولا يمل من تقديم المعلومات حول المكان الذي تحول منذ عقود طويلة إلى رمال تكومت لتصبح على شكل هرم، وامتدت إلى ما وراءه، لتجذب السياح المغاربة والأجانب، وتصبح مصدر عيش أسر عديدة أقامت خياما تقليدية مصنوعة من القصب وأغطية شتوية خيطت بإتقان وكراسي خشبية صغيرة، وفرشت بزرابي تقليدية من صنع نساء المنطقة، وتم مدها بالطاقة الشمسية حتى تضمن إنارة ليلية وكهرباء لشحن الهواتف....

داخل الخيمة وضع عبد الرحمان صينية الشاي، الذي أعده في خيمة أخرى على شكل مطبخ، يقدمه للزائر والراغب في الاستمتاع بلحظات بين الرمال، لا يهمه مقابل الشاي فهو بطيبوبته يعكس تقاليد المنطقة وأهلها وحفاوتهم بالضيف.

توقفت حباة عبد الرحمان عند "رمال تينفو" التي تعتبر باب الصحراء، وبمدخل المكان وضعت عبارة " تومبكتو في 52 يوما" ، فزاكورة كانت نقطة توقف للقوافل التجارية الكبرى، ومحطة للتجارة العابرة للصحراء التي كانت في طريقها إلى تومبكتو "مالي"، سواء تلك القادمة من مدن المغرب أو من أوربا، يقوم التجار بالتزود بحاجياتهم من البضائع وأداء رسوم حق المرور والأمان.

يلعب عبد الرحمان كباقي زملائه دورا أساسيا بتينفو فهو صاحب الفندق والمطعم البسيط، وهو المرشد السياحي للزوار الراغبين في التجول على متن الجبال، وهو المساعد لمن يهوى ممارسة الرياضة فوق هذه الكثبان، وهو كذلك المعالج لمن قصد المكان لأخذ حصص من حمام رملي يأمل من خلالها أن يطرد البرودة التي سكنت لحمه وعظامه، أو الروماتيزم الذي أقام واستكان بحسده.

يكشف عبد الرحمان بلا تردد :" هنا أربع عائلات تجني قوت يومها من الخيام المنصوبة هنا بتقديم خدمات للسياح والزوار، كركوب الجمال والمبيت، وصيفا نقوم بإعداد حمامات الرمال، ف"تينفو" معروفة بهذه السياحة الصحراوية، رغم أن مدخولها يتغير، هنا تعمل أربع عائلات، لكل منها خيامها المجهزة بالضروريات، كالأسرة والأفرشة...وتتميز الخيام بسخونتها في أيام الشتاء، حيث يحرص أصحاب الخيام على إغلاقها إلى حين قدوم زائر، وتتراوح أثمنة المبيت والأكل وركوب الجمال بين 250 و300 درهم، يمكن للزائر الاستمتاع بضوء القمر والاستماع لموسيقى "التوارك والسقلة.."

غير بعيد عن الخيمة الكبيرة المقامة على شكل غرفة مخصصة لاستقبال الزوار وشرب الشاي أو تناول الغداء، أعدت أسرة عبد الرحمان مطبخا بسيطا بتوفر على الأواني الضرورية لإعداد الأكل، بينما يحتل الطاجين المطهي على الفحم مكانا خارج المطبخ، وغير بعيد عن هذه الإقامة البسيطة أقيم مرحاض غير بعيد عن المطبخ.

يقول عبد الرحمان وهو يطأطئ رأسه: "رغم ذلك فالخدمة قليلة من أيام كورونا مابقاش المدخول مزيان... نعمل هنا بتيسير الله كنصورو طرف الخبز وأحيانا ماكيجي حتى واحد يبات، لذلك كنقنعو باللي كتاب من ركوب الجمال ...".

يأتي الغروب يهذا المكان الهادئ، ليضفي جمالا على رماله الذهبية، و تزيدها حرارة حفاوة عبد الرحمان وأهله.

آخر الأخبار