هشام رماح
القدماء وصفوا مدينة الصويرة فقالوا إنها لا تحب الغرباء، كانوا يظنون أن رياحها التي لا تهدا، تعبر عن ذلك، إنها شبه الجزيرة، موكادور، التي يحفها البحر من 3 جوانب، ولا يبخل عليها بما فيه، نعم في أحشائه الخيرات الوفيرة، ولتسألوا زوارها عن السردين، و"الحوت الحر"، مراكب الصيد كثيرة في مرسى المدينة.
طيور النورس تلفت الانتباه في ميناء الصويرة، زعيقها يملأ المكان، تطير هنا وهناك، تنط وتمشي حتى قرب أرجل بائعي السمك والصيادين على الرصيف، بينما تتهادى المراكب الراسية فوق الماء بأحجامها المختلفة بين "الفلوكات، والشالوتيات".
أحد زوار المرسى من أبناء الصويرة أفاد في حديث جانبي مع "الجريدة 24" بأن بحر الصويرة عود سكانها على جوده، لم يبخل يوما بالأسماك وخاصة السردين عن سكان لا يستطعمون سمكا ألذ منه، كثيرون يرون أن سردين الصويرة له خصوصية، فهو يصيب بالدوار ويجعلهم أشبه بالسكارى، لكن هذه تظل رؤية البعض دون الكل.
عند مدخل الميناء ينتصب أحد الأبراج، هو مربع الشكل، يحيل إلى أنه بني في عهد غابر من قبل "البرطقيز" الذين مروا من هنا، لا يعرف من سألناهم من سكان الصويرة التاريخ الحقيقي الذي بنيت فيه مدينتهم، كل ما يؤكدونه أن البرتغاليون بصموا معالمهم فوق أرضها، غير أن كتب التاريخ ونتائج أبحاث علماء الآثار تؤكد على أن الفينيقيين ايضا كانوا في الصويرة ، لكن قبل الميلاد، ، حيث أسسوا ثغرا بحريا جعلهم يسودون في واجهة الأطلسي، كما شكل نقطة انطلاقهم نحو بلد الإكوادور.
بين الأمس واليوم
لكن اليوم لم يعد كالأمس في الصويرة وبحرها شرع يضن على الصيادين وكميات السمك المصطاد في تناقص بسبب جشع بعض أرباب مراكب الصيد.
هذا الأمر عزاه أحمد وهو صياد يتحدر من منطقة الشياظمة المتاخمة للصويرة إلى اعتمادالصيادين على شباك صيد بعيون صغيرة تأتي على السمك الكبير والصغير، ولا تسمح بإتمام دورة الحياة لكائنات البحر.
"عمليات الصيد في هذه المدينة لا تخلو من الخروقات"، يقول أحمد، فيما غمغم صديقه يوسف بصوت خافت، قائلا إن أباطرة البحر يستأسدون في هذا الميناء على البحارة الصغار، لم يكن يريد قول هذا بصوت مسموع، وكأنه يخاف أن تحمل الرياح قوله هذا إلى مسامع من يتحدث عنهم.
كذلك فإن تحقيق صيد وفير في المياه قبالة الصويرة بالضبط يستلزم أن تحل "الكالمة" في البحر، أي أن يكون البحر هادئا بما يمكن من صيد "الحوت الحر" كـ "الراسكاس، الصنور، الموسطيل، القرص، بيشابادون..".
رحلة صيد في أعالي المحيط
يتم صيد "الحوت الحر"، في عرض البحر، وهو ما يجعل من مراكب الصيد الصغيرة عرضة لعابرات المحيطات التي تكون محملة بالحاويات.
أحمد يقول إن عملية صيد "الحوت الحر" تستوجب شق أمواج البحر منذ الساعة العاشرة صباحا، ليستغرق المركب 8 ساعات من الإبحار، ثم يرسي البحارة في عرض البحر، حيث لا يحفهم هناك غير اللون الأزرق.
عند وصولهم لمكانهم المعهود وسط البحر، يكون النهار قد أعلن انهزامه لصالح الظلام، يرمي الصيادون صناراتهم في الماء، ثم يشرعون في إعداد وجبة العشاء "الكاميلة"، كل هذا وهم يمعنون النظر، يحاذرون أن تصطدم بهم باخرة، على الرغم من العلامات التي يحملونها معهم من المرسى، والتي تفيد رسو مركبهم وسط البحر.
العلامات هي عبارة عن رايات بلاستيكية، يستعملها البحارة في واضحة النهار، لكنهم يستعينون بمصابيح من الليزر كلما جنح الظلام، وأسدل الليل ستاره.
يسترسل أحمد في عرض ما يقوم به والصيادون الذين يرافقونه إبان كل رحلة صيد، يقول إنهم بعد العشاء، يتفقدون حالة الخيوط التي تنتهي عندها الصنارات، مخافة أن تكون قطعت مراوح البواخر التي تمر قرب مكان صيدهم.
يبقى الوضع كما هو عليه، يضيف أحمد، إلى حين انبلاج الفجر، وانفصال الخيط الأبيض عن الأسود في السماء، ليتم سحب الصنارات، جمعا لما صادته من أسماك.
أخطار تحدق قد تبقي أو تعدم
النورس طائر شقي، لا يكل ولا يمل، من مضايقة الصيادين وباعة السمك في الميناء، يبدو انهم الفوه، فهم أنيسهم في مكان يقتسمه معهم.
البحر هادئ على غير عادته ، كذلك كانت الريح، وهو ما يشكل استثناء كما ينم عن ذلك فرح الصيادين بهذا الجو، يقولون إن المنزلة جيدة، "الكالمة" حاضرة، والصيد يكون وفيرا في مثل هذا الجو.
يقول أحمد إن غلاء أسعار المحروقات يرفع من أثمان الأسماك التي يصيدونها، يعزي ذلك إلى عدد لترات البنزين التي يتزود بها البحارة في كل رحلة صيد، يقول إنها تصل إلى 200 لتر من البنزين، وثمن اللتر الواحد "176 ريال" كما يوضح يوسف، أما المركب فيقطع 6 أميال بحرية في ظرف ساعة، مما يجعل البحارة في رحلتهم لصيد "الحوت الحر" يبتعدون عن اليابسة بما يقارب 50 ميلا بحريا، حوالي 93 كيلومتر أرضي، كما أن الريح تبلغ سرعتها في المناطق التي يقصدونها للصيد 6 بيفور بحري.
ما يزيد من حدة الاخطار التي تحدق بالبحارة، في عرض البحر على مراكبهم الصغيرة، كما يشيرون، هو حوت "أبرار" الذي يصادفونه حيث يلقون بصناراتهم.
أحمد يصف "أبرار" بالحوت الضخم، يقول إن طوله يجاوز 12 مترا، ولا يقدر على الغوص في أعماق المحيط، يتنفس خارج الماء.
بالإضافة إلى سمكة "تافضنا" التي تحب الاحتكاك بظهرها مع قعر المراكب، لنزع الأعشاب التي تنبت فوق جسمها، وهو ما قد يودي بحياة البحارة المتواجدين في مراكب الصيد.
أحمد يقول إن الصيادين يبحرون وكأنهم يريدون الوصول للمياه المقابلة لمدينة آسفي، لكنهم في الغد يجدون المراكب قد جنحت نازلة بهم إلى المياه المقابلة لأكادير بفعل التيارات البحرية، وحنكة "الرايس" هي من تشفع بالعودة إلى الصويرة من حيث انطلق.
كما أن البحارة أكدوا أنه لا عطلة في البحر، اكفهرار الجو وقوة تلاطم أمواج المحيط هما المحددان لأيام عطلهم.