هل فضح قيس سعيد عنصريته ضد الأفارقة بتعليمة فرنسية؟

هشام رماح
هل هي صدفة، أن يفصح قيس سعيد، الرئيس التونسي، عن مكنونه البذيء وعنصريته الدامغة ضد المهاجرين الأفارقة المتحدرين من دول جنوب الصحراء، تزامنا مع موجة الطرد التي لاحقت التواجد الفرنسي، من دول في القارة السمراء، كانت ضمن حوزة المستعمرات السابقة التابعة لقصر الـ"إيليزي"؟
التساؤل له ما يبرره، ففي ظل المد الذي يقوده اليمين المتطرف في أوربا، وموازاة مع الغضب الذي يعتمل لدى السلطة السياسية الفرنسية وهي تجد نفسه شريدة مطرودة من مالي وبوركينا فاسو والسينغال وغيرها من الدول، يبدو أن الرئيس التونسي انتهز الفرصة ليخطف رضا الفرنسيين عنه بتبني خطاب عنصري مقيت ممزوج بشعبويته وسطحيته المعهودة.
ويبدو أن الرئيس التونسي، الذي أبان عن طينته "القومجية" ونفسيته النرجسية وهو يتحدث بتعال عن المهاجرين الأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء، فاته أنه يضحي بمكانة تونس البريئة منه براء الذئب من يوسف، ضمن إخوانها في القارة التي تنتمي إليها، بعدما اختار أن يتشدق بعربيته الركيكة بعبارات ترضي الفرنسيين وتجعله ضمن المحظيين لديهم.
وليس ما قيل غريب على رئيس رمت به الصدف ليكون حاكما لتونس التي قتل فيها ورد الياسمين، وجعل منها مطرحا يقضي فيه الفرنسيون حاجتهم ومعهم الـ"كابرانات" الجزائريون، الذين جرجروا جارتهم الغربية في كل مرة وحين وأهانوا كرامة حاكمها، قبل ان يهينهم علانية وهو ينحاز لفرنسا عندما جد وقت الجد، وطلب منه الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" تذييل قرار رئاسي تستطيع به المعارضة الجزائرية "أميرة بوراوي" الإفلات من قبضة العسكر الغاصبين.
ويبدو أن قيس سعيد، بدا طيعا للفرنسيين أكثر من غيره، فأوكلوه قيادة موجة الكراهية ضد المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، ليلطخ سمعة الخضراء بلوثات اليمين المتطرف، وهي القيادة التي ارتأى أن يرتدي لها عباءة "القومجية" التي تمتح مبادئها من "النازية" البائدة.
ولا غرو بأن فرنسا التي أبدت دعما شديدا لديكتاتورية قيس سعيد، احتاجته كثيرا مؤخرا، لتلعب به كورقة ضد الدول الإفريقية التي رمت بها خارج الديار، وبعدما استوعبت بعد لأي، أن بعض الأفارقة استفاقوا من سباتهم ومن نومتهم، وتنبهوا إلى أنها تنهب ثرواتهم نهارا جهارا وتسلبهم مع ذلك كرامتهم ولا تبقي لهم إلا الرماد الذي تذره في عيونهم لعلهم لا يقشعون.
وكما سلف الذكر فلقد استفاق بعض الأفارقة، وليس الكل، والاستثناء يثبت قاعدة التبعية التي تتمنى فرنسا أن تستدام، وألا ينحو الأفارقة إلى نهج المملكة المغربية التي أبدت تشبثها المكين بجذورها التاريخية، وأفردت للمهاجرين القادمين إليها والمستقرين بها الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي جعلتها متفردة عن جيرانها المرضى بالعظمة مع الأشقاء والموبوئين بالسخرة والذل مع الغرباء.
وفي مقابل، كل هذا فإن التساؤل لا يزال مطروحا، هل هي صدفة أن يفضح قيس سعيد عنصريته بلا وجل أو خجل، تزامنا مع تعانيه فرنسا في إفريقيا؟ أم في الإمر "إن" عبارة عن تعليمات بلغت الديكتاتور الذي يفدع العربية في كل وقت وحين؟